القاهرية
العالم بين يديك

آخر النفق

62

سالي جابر

داخل براح غرفتها الضيق شعرت أنها اليوم تتنفس الحب والأمل، ما كان ماضيًا، وما آتي هو ما يستحق الحياة …
بعد أن نظرت إلى المرآة لمحت بنظرة جانبية جمال عينيها التي بقيت في السواد والألم لبضع شهور، وقلائل هي الأيام التي تمنحنا الحب حين نمنحه لأنفسنا، حاولت أن تبدأ الصباح بفنجان قهوة كان مكوناتها من مكنونات نفسها التي ضلت الطريق يومًا، ملعقتين من البن وكوب ماء فقط، لقد تغيرت حتى مع أكثر الأشياء حبًا إلى قلبها، أخفضت النار عليها كما فعلت بنيران قلبها لقد نضج كما سينضج البن بعد قليل، إنه الوقت كفيل بكل شيء… كانت تقلبها كما فعلت بصفحات حياتها الماضية وأغلقت عليها الغاز قبل أن تفور كما حدث لقلبها، لكننا نتعلم من الألم، وفي جلسة تصالح مع الذات أحتست قوتها بهدوء ورقة كجدول مياه يسري ويملأ الحياة أمل، أرتدت فستانها الزهري وتأملت جمال اللون عليها وتذكرت يومًا حين قال لها ” تبدين ملكة بالزهري” خرجت إلى العمل الذي انقطعت عنه حين مرضها به، مسرعة هي حتى لا تتأخر كسابق عهدها، كانت معه لا تدرك قيمة الوقت ولا تحترمه؛ فكانت تعرف شروق شمسها وغروبها على طلته، ألقت نظرة خاطفة للساعة وابتسم ثغرها حين تذكرت قوله” أنا موعدك وميعادك” وقالت بصوت مسموع” لقد خالفت موعدك وضاع ميعادك” زادت نبضات قلبها فجأة وشعرت بوخزة بقلبها ووجدته أمامها يسألها عن الساعة ! ما أخافها أن يرى في عينيها الضعف، ثم نظرت إليه وأجابت سؤاله ورحلت… فسمعته يقول” الزهري يليق بكِ” بدأ قلبها يرجف خوفًا وتصببت ألمًا، ماذا جرى؟ هل كان الوقت مليئًا بالكذب حينما أعتقدت النسيان!
قوى قلبها حين قالت لنفسها ربما كان التحدي والمواجهة اللازمان لانقضاء الخوف؛ فلنواجه…
سألها ماذا فعلت بغيابه، فقالت: انقضى وقت السؤال، لم تستطع إخفاء رجفة قلبها وفي جوفها تقول: كنت أحاول نسيانك، وكلما نظرت في ساعتها يقول: اشتقت إليكِ كثيرًا، انشغلت بهاتفها قليلًا ثم سألها: هل كانت الأيام الخوالي فاتنة؟ قالت: نعم، كنت أنام وأستيقظ دون النظر إلى هاتفي وانتظار رسالة، كنت أشغل وقتي بتعلم شيئًا جديد، كنت أحيا وأتنفس الهواء النقي دون مشاعر خوف، لقد وجدت الأمان دونك حينما أحببت نفسي ورأيتها بعيني أنا، كنت أرى نفسي بعينيك وأتنفس الهواء المحيط بك، كنت يوميًا أضع الحبوب المهدئة داخل القهوة لأستطيع تجاوز الأمر، واليوم وبعد حوالي أربعة وستين يومًا وثلاثة وعشرين ساعة وإحدى عشر ثانية تخلصت منها، لم أعد الأيام لأحسب غيابك؛ بل لمعرفة منذ متى وأنا أعاني وكم تحسنت.
بلع ريقه بصعوبة وهو يرى القوة في كلماتها ونظر داخل عينيها العسليتان، كان مغرمًا بتلك العينين حينما تسقط عليها أشعة الشمس، وهي تغمضها تجاوزًا شعاعها، وقال: كم أنتِ جميلة !
فقالت: اليوم تعلمت أن كل شيء ممكن، والتجاوز صعب لكن ليس مستحيل، لقد تجاوزت بعضًا من الألم لإنني مازلت أتذكرك، الألم لا يعني الموت ولا حياة دونه، لا أخجل حين أقول إنني أتذكرك ليلًا لكن ليست كل الليالي سوداء، فهكذا تعلمت أن في آخر النفقة شمعة أمل إما تنير الطريق أو تحرق آخر صفحاته.
لم أختر طريقي لكني توقعت شكل شمعتي التي تنير الطريق، سأحافظ عليها إلى أن أصل، كن بخير يا عزيزي، ونظرت في ساعتها وقالت: لقد حان الوقت، وخلعتها من يدها ووضعتها أمامه ورحلت.

قد يعجبك ايضا
تعليقات