د. إيمان بشير ابوكبدة
منذ حوالي عام 800 ميلادي وحتى القرن الحادي عشر، غادر عدد كبير من الإسكندنافيين أوطانهم بحثا عن ثرواتهم في أماكن أخرى. بدأ هؤلاء المحاربون البحريون – المعروفون مجتمعين باسم الفايكنج أو النورسمان (الشماليين) – بغزو المواقع الساحلية، وخاصة الأديرة غير المحمية، في الجزر البريطانية. وعلى مدى القرون الثلاثة التالية، تركوا بصماتهم كقراصنة ومغيرين وتجار ومستوطنين في معظم أنحاء بريطانيا والقارة الأوروبية، بالإضافة إلى أجزاء من روسيا وأيسلندا وغرينلاند ونيوفاوندلاند الحديث.
من هم الفايكنج؟
ينحدر الفايكنج من قوم جرمانيين عاشوا في شمال غربي أوروبا، ثم تحولوا إلى بلاد إسكندينافيا في نحو عام 2000 ق.م حيث بقوا في مجموعات صغيرة لكل مجموعة ملك أو سيد يحكمها. وانقسم مجتمعهم إلى ثلاث طبقات: الطبقة الأولى طبقة النبلاء وهم الملوك والأسياد والأثرياء، والطبقة الثانية الأحرار وهم الزراع والتجار وموظفي الدولة، والطبقة الثالثة والأخيرة هي طبقة العبيد، وهم إما أرقاء بالميلاد، أو أسرى حرب.
عمل معظم الفايكنج بالزراعة وتربية الماشية، كما عمل بعضهم بصيد السمك أو ببناء السفن، وبعضهم الآخر بالتجارة، وهؤلاء هم الذين جابوا البحار طلبا للتجارة.
الرجل هو السيد في العائلة التي تمتعت فيها المرأة بحقوق كثيرة، منها حق الطلاق. وقد اعتاد أثرياء الفايكنج الزواج بأكثر من واحدة، حيث توالدوا وتكاثرت أعدادهم الأمر الذي أدى إلى زيادة ملحوظة في السكان نتج عنها خروج الفايكنج من بلاد إسكندينافيا إلى العالم الخارجي.
دفن الفايكنج موتاهم في سفن اعتقادا منهم أنها ستأخذهم إلى أرض الأموات، كما دفنوا مع الميت حاجياته، بما فيها كلابه، وعبيده أحيانا. وقد كان للفايكنج معبودات عديدة منها أودين إلاهة الحرب والموت، وفراي إله الزرع والحب، وتور إله السماء والضوء والمطر والرعد والرياح. وهو المسيطر على المناخ.
كانت لغة الفايكنج تتكون من ستة عشر حرفا، وكل حرف يتكون أساسا من خطوط مستقيمة يسهل نحتها على الخشب أو الحجر، وكانت هذه اللغة تستخدم لكتابة الرسائل. أما القصص والحكايات الطويلة، فكانت تروى عادة ويحفظها الناس عن ظهر قلب ثم يكررونها، بدلا من كتابتها.
إن الفايكنج من أمهر بناة السفن، إذ إنهم حسنوا من بنائها، وشكلها، وبنوا السفن التجارية والبحرية، وطوعوها لتكون صالحة للإبحار في البحار والأنهار معتمدين في ذلك على الأشرعة والرياح. ولسفنهم شكلها المميز، فهي ذات مقدمة مقوسة، كما أنهم عرفوا طرقا خاصة بهم لمعرفة الاتجاه في البحر، فمثلا استعانوا بالغربان لمعرفة اتجاه اليابسة.
كان الفايكنج غلاظا قساة في حروبهم، أثاروا الرعب في أوروبا، فكانوا يحرقون كل مالم يأخذوه، أو ينهبوه، وكانوا في حروبهم شديدي الحرص على الاستيلاء على الخيول، ثم الماشية، وكذلك الأشياء الثمينة المصنوعة من الذهب والفضة، وهي غالبا ما توجد في الكنائس والأديرة، وهذا يفسر لنا غزوهم المستمر لتلك الكنائس والأديرة في أيرلندا وأسكتلندا وفي غيرها من البلدان، وقد اتصفت حروبهم وغزواتهم تلك بالسرعة وعنصر المفاجأة تساعدهم في ذلك خفة سفنهم وسرعتها.
وقد تعرضت شواطئ إنجلترا الشرقية، وأيرلندا وأسكتلندا لغزوات الفايكنج النرويجيين خلال القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، كما أنهم غزوا ونهبوا أجزاء من فرنسا وإيطاليا وأسبانيا، ووصلوا حتى آيسلندا وجرينلاند، بل إنهم وصلوا حتى أمريكا حيث استقروا لفترة من الزمن على شاطئها الشرقي، كما دلت على ذلك آثارهم الباقية هناك. أما الفايكنج الدنماركيون فقد ركزوا هجومهم على بلجيكا وفرنسا، والأراضي المنخفضة (هولندا)، وإنجلترا. واستقروا في شرقي إنجلترا حتى اضطرهم الملك الإنجليزي ألفرد الأكبر للانسحاب من هناك.
أما الفايكنج السويديون، فقد غزوا على امتداد الأنهار في أوروبا الشرقية في القرن التاسع الميلادي، وأنشأوا هناك في أرض السلاف طرقا ومراكز تجارية، كما أنهم سيطروا على طرق التجارة بين بحر البلطيق والبحر الأسود.
أدى وجود الفايكنج في ثلاثة مواقع في إسكندينافيا إلى ظهور ثلاثة شعوب هناك، هم الدنماركيون، والنرويجيون، والسويديون، كما أن هجماتهم المستمرة على إنجلترا أدت إلى توحيدها.