سامح بسيوني
لم يكن ينبعث من فتيل المصباح فوق الحائط غير شعاع خافت من الضوء، السكون يخيم على المكان، تخبط في الحياة؛ فالإيذاء يشتد برسولنا محمد-صلى الله عليه وسلم -والصحابة-رضوان الله عليهم أجمعين -.
فبلال بن رباح يشتد عليه العذاب مع لهيب الصحراء، ويوضع على صدره حجرًا عظيمًا، وهو يردد كلمة التوحيد أحد أحد.
آل ياسر يعذبون أشد العذاب؛ فماتت السيدة سمية من شدة العذاب، وكذلك زوجها ياسر وعمار بين العذاب والصبر ومرارة الفراق.
والخباب بن الأرت يطلب النصر من رسول الإنسانية محمد-صلى الله عليه وسلم -، والنبي يذكره بأحوال الأمم السابقة وكيف صبروا على البأساء والضراء؛ حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله.
هكذا باتت مكة بين ظلم الإنسانية، وبين مرارة العذاب لهؤلاء المستضعفين.
خيم الضباب على مكة؛ مابين شرب للخمور، وبين اللهو مع القواني والمغنيات وعدم الأمن والأمان في مجتمع غابت عنه معاني الإنسانية.
واشتد العذاب على الأوائل من الصحابة، وحوصر النبي- صلى الله عليه وسلم – ومعه الصحابة في شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات؛ حتى سمع عويل النساء وصراخ الأطفال وربط النبي حجرين على بطنه؛ من شدة الجوع.
في ظل هذه الأجواء المليئة بأنواع الظلم والطغيان، يأمر الله رسوله، والصحابة بالهجرة إلى يثرب، فتحول اليأس إلى أمل.
فخرج الأوائل من الصحابة، وهان عليهم هجرة الوطن، وترك مالهم فيه من متاع ومال وجاه؛ فكانوا أهلًا لحسن الحال في الدنيا والآخرة(والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا ولأجر الأخرة أكبر لو كانوا يعلمون).
واجتمع فتيان قريش حول بيت النبي محمد-صلى الله عليه وسلم-؛ لقتله فيخرج من بينهم سالمًا، وعندما تجاوز مساكن مكة ودع مكة وداع المحب المكره؛ لمفارقة وطنه، وظلت عناية الله برسوله، وصاحبه أبي بكر الصديق- رضى الله عنه وأرضاه- فاختبأ النبي، ومعه صاحبه في غار ثور، وأنزل الله سكينته وأيده بجنود لم تروها، وظلت العناية ملازمة له حتى دخل المدينة فاستقبل بأشد الترحاب، ونورت يثرب بقدوم رسوله الكريم؛ فسميت المدينة المنورة.
وبدأ النبي- صلى الله عليه وسلم- في بناء الدولة الإسلامية؛ لذلك تعد الهجرة تحولًا وتطورًا في بناء الدولة فكانت الهجرة بداية للإنسانية جمعاء؛ فٱخى بين الأنصار والمهاجرين؛ ليعلن حق المواطنة فليس لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، فما أحوج الأمة الإسلامية بأن يتمتع الإنسان بحياة كريمة فيها من الحقوق والواجبات!..
تأتي الهجرة فتحول اليأس إلى أمل؛ فلقد ترك الأوائل الأوطان والمال والأهل من أجل هذا الدين فنصرهم الله وجاءت لهم الدنيا رغم أنفها حتى صارت الدولة الإسلامية إلى بلاد الٱندلس(إسبانيا الٱن)؛ فأخذنا درسُا مهمُا من ترك شيئُا لله عوضه الله خير العطاء والجزاء.
تأتي الهجرة فتبين حسن التخطيط في أمة عندها من العشوائية، فالرسول في هجرته أخذ بالأسباب؛ فكان معه الدليل الذي يعرفه مسالك الطريق بين مكة والمدينة، ومعه الصاحب، ومعه من الزاد والطعام؛ ليعطي للأمة جمعاء درسًا مهمًا في حسن التخطيط والنظام.
فالهجرة تمثل يوم الأمل يوم التضحية يوم الوفاء يوم التخطيط يوم الإنتصار للإنسانية جمعاء بعد مرارة الظلم والطغيان في مكة.
فهل من أمل يشدوا من بعيد مع نسمات أول فجر في عام هجري جديد أن تستيقظ الأمة من ثباتها العميق وتستيقظ من أوهامها وتعلن ساعة العمل وتحنو بأيد حانية للأخذ بأيدي الحائرين والضٱلين في هذه الحياة؟!
فهل من أمل جديد؟