القاهرية
العالم بين يديك

تتلظى

110

بقلم- د. محمد منصور

أنا أدعي معرفة القليل من اللغة العربية رغم أنها ليست تخصصي الذي أشتغل به ولكنني أعرفها بالإحساس والسليقة وكثرة القراءة بها.
هذه المعرفة تجعلني استسيغ عبارة ولا أستسيغ أخرى ، وأؤكد أن ثمة خطأ في تركيب جملة أو ضبط كلمة حتى وإن لم أشر للخطأ أو أحدده بدقة .
ومن هذا المنطلق أرى أن الاختيارات التي طرحت على طلاب الثانوية العامة لمعنى كلمة ” تتلظى” كلها خاطئة وليس من بينها المعنى الصحيح لهذا اللفظ الذي قد يعني تتأجج أو تستعر أو تتقد أو يعلو أوارها أو ماشابه من هذه المعاني ولايمكن أن يرد معنى مثل يحقد أو يتطلع أو تتحسر أو غيرها من الألفاظ المطروحة للاختيار من بينها على ذهن قارئ مثابر للغة.
كان البدوي في الصحراء قديماً هو أعرف الناس بقواعد اللغة ومعاني الكلمات حتى أن الناس في المراكز الحضرية كانوا يرسلون أبناءهم للعيش في البادية بعض الوقت لاكتساب اللغة السليمة من مصادرها ولتستقيم ألسنتهم بالرغم من أن أهل البادية لم يكن لهم حظ من التعلم والتحضر ، لكنهم كانوا يعرفون دقائق اللغة بالفطرة السليمة والاستقراء المنضبط .
يحكى أن بدوياً كان يعيش في الصحراء فمر به أحد من يعيشون في الحضر فقرأ عليه قوله تعالى ” والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بماكسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم” فسأل البدوي : كلام من هذا ؟
قال المتحضر : هذا كلام الله .
قال البدوي : هذا ليس كلام الله
ففطن المتحضر إلى أنه أخطأ في القراءة فأعاد قراءة الآية بشكل صحيح ” والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بماكسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم”
فهتف البدوي هذا هو كلام الله .. عز فحكم فقطع ولورحم لغفر ولم يقطع.
هكذا هي اللغة العربية تحسها بفطرتك وتتلقاها بقلبك وليست معانٍ جامدة لاحياة فيها .
بل ويجوز فيها الاختلاف وتعدد النظر والرأي في كثير من ألفاظها ومراميها ، تحمل لنا كتب التراث مايعرف باسم ” المسألة الزنبورية” والتي اختلف حولها اثنان من علماء اللغة العربية وسادتها ، الكسائي ويمثل لغة. أهل الكوفة
وسيبويه وكان يمثل لغة أهل البصرة.
وكان السؤال المطروح من الكسائي على سيبويه . كيف تقول” كنت أظن أن النحلة أشد لسعاً من الزنبور فإذا هو هي ، أو فإذا هو إياها” وقد أجاب سيبويه فإذا هو هي ولكن الكسائي أعلن أن سيبويه قد أخطأ مستعيناً في تحقيق الانتصار بالسادة من القوم كي ينتصر ظلماً على سيبويه الذي مات بعدها كمداً بالرغم من أن إجابته كانت هي الأصح وكانت هذه المسألة دليلاً على فساد القوم ولكن تلك حكاية أخرى
هكذا نرى أن ثوب اللغة واسع فضفاض وأنك إذا أردت أن تختبر التلاميذ في معنى أو لفظٍ فلتأت بمثال لايختلف حوله اثنان ولايتناطح فيه عنزان . شأن مسائل الرياضيات والعلوم الحديثة ولاتختبرهم في شئ يرتكز على الفطرة والإحساس والذوق ويحتمل أكثر من رأي
ولو كان الأمر بيدي لألغيت السؤال ووزعت درجاته على باقي الأسئلة .
وعلى الله قصد السبيل .

قد يعجبك ايضا
تعليقات