بقلم السيد عيد
في البداية ستقرأ كلمات هذا المقال وكأنه مُخصص لك ، وكأنه صوت خافت يسكن داخلك ، أو حديث مدفون بِقرارة نفسك ، تبحث عنه في الوجوه المارة أو ربما وجدته في مَن يجلس جوارك الآن في قهوة بلدي وأنت تطلب كوبا من الشاي و« رنة» ملعقة القهوجي التي تخطف الآذان معها ، تُنذران بموعد مع خمسينة الشاي لتضبط مزاجك .
الحياة أصبحت مثل كوب شاي، يعتمد كل ما فيها على طريقة اعداده، نعد الشاي،وكأننا نغلى أنفسنا، ونبخر همومنا، ونقلب أحزاننا ونذيبها ،بكل أسف كل شيء وأي شئ أصبح يُباع في هذا الواقع البغيض، الضمائرُ تُباع، الذّمم تُباع، حتى الشعوب استُرخِصتْ قيمتُها ودخلتْ غمار المزاد العلني كأيّة سلعة من السلع
لا يهم نوع الشاى الذى تفضله، هل هو أصفر أم أخضر أم أحمر أم أسود، ولا يهم هل تشربه سادة أم بالسكر أم بالعسل أم بالحليب أم بالليمون، ولا يهم هل هو بنكهة النعناع أم الزنجبيل أم الياسمين أم الفانيليا أم القرنفل، المهم ما بعد تذوقه تجد وقد اجتمع في حضرتك ذكريات عميقة تثير الشجون وكوب الشاى جعلك تطلق لخيالك العنان
للحنين إلى الماضي، تعود بالذاكرة لعقد مضي أيامه وبقت حكاويه، مشاعر مختلطة ما بين السعادة والحنين إلي أشخاص فقدناهم، إلي أيام الطفولة إلي البراءة، ربما إلي الحنين إلي أنفسنا، شكلنا وملامحنا وأحلامنا وأعمارنا التي طوتها السنين .
في عصرنا الحالي تشرب الشاي وما أحلاه لو كان بالياسمين “تشرب شاي بالياسمين” جملة تحمل في ظاهرها الترحيب بالضيف وإكرامه.. بينما يحمل باطنها عرضًا بالرشوة وشراء ذمته بالمال!..
للأسف لن ننسى هذه الكلمة التى أثارها الزعيم عادل إمام فى فيلم «مرجان أحمد مرجان» وأصبحنا نتدوالها مع بعضنا،
بشربنا «الشاى بالياسمين» نسينا أو تناسينا القضية الفلسطينية،نسينا حتي مستقبلنا أصبح كل همنا الأكل والشرب اللذان باتا بعيدان المنال البسطاء وحدهم يدفعون ثمن سياسات وزير التموين الجائرة، وحدهم من يتحملوا المسؤولية عن تردي الوضع الاقتصادي، وكأنهم عالة على بلادهم التي يدفعون فيها أكثر مما يقبضون، ويزرعون فيها أكثر مما يحصدون. لم تجد الحكومة إجراءً تنعش به الميزانية سوى محاربة البسطاء في لقمة الخبز، بينما ترك المتهربين من دفع الضرائب من تماسيح رجال الأعمال يرتعون، ولم يتوقفوا لحظة عند مظاهر البذخ والإنفاق الحكومي على التفاهات.
.
كل ما نحن فيه من تأثير شرب «الشاى بالياسمين»الذي تجرعه الشعب من يد الحكومة فمن منا لا يشرب «شاى بالياسمين»؟
طالما بقي المناخ المصري مناخًا طاردًا للشفافية والمساءلة والمحاسبة، ومحفزًا على الفساد والبيروقراطية.. وطالما أن هناك فاسدين يعتلون الأنظمة والقوانين التي تضمن استمرار فسادهم وبقائهم.. فسيبقى المصريون يتعازمون على أكواب شاي الياسمين من أجل قضاء أبسط مصالحهم.. وسيبقى شعارهم وتحيتهم المفضلة جملة عادل إمام السحرية: تشرب شاي بالياسمين؟!.