بقلم الناقد الأدبي د/ عادل يوسف
قد يأتي القدر بشخص لا ينخدع ببهرج الباطل، وينفض التراب عن الحقائق المدفونة، ويعيد لها بريقها الساطع، فتجد نفسك أمام رواية
( الحقائق المدفونة) للكاتبة المتألقة رقية فريد.
فهيا بنا ننقب وننبش في التراب عن الحقائق المدفونة مع الكاتبة (رقية فريد) .
تصحبنا في رحلة البحث والتنقيب عن الحقائق المدفونة بطلة الرواية الصحفية(سارة عبد الستار)، لتسلط لنا الضوء على بعض القضايا الاجتماعية المعاصرة مثل : تجارة الأعضاء البشرية، واستغلال الفقراء والمهمشين مثل البائعة الجائلين والمتسولين وبعض القضايا الاجتماعية مثل الحقد والغيرة بين الأخوة ، وجبروت المرأة .
ومما يسترعي الانتباه في هذه الرواية أنها تندرج تحت فن
(أدب الجريمة) ،وهو الأدب الذي يعرض لنا لغز يثير عقل القارئ وبجعله يلهث ويلتهم صفحات الرواية حتى يصل إلى لحظة اكتشاف سر حقيقة الجريمة المدفونة ومن الجاني الحقيقي.
وهذه الرواية تحمل الكثير من أجواء الغموض ، والترقب، والمفاجآت والمفارقات الدرامية ،التي تجذب القارئ بشدة حتى نهاية أخر سطر في الرواية.
ومن اللافت للنظر في رواية الحقائق المدفونة للكاتبة (رقية فريد) أنها مزجت فيها بين الغرائبية والواقعية من خلال ثلاث قصص هي :
الجمال القاتل ، ورسالة من العالم الأخر ، وسهام صائبة.
وسنقوم بعرض نبذة عن( قصة الجمال) القاتل كنموذج تطبيقي لتحليل الرواية.
وبالرغم من أن كل قصة من القصص الثلاثة لها حكاية مستقلة عن الأخرى إلا أن القصص الثلاث تتفاعل مع بعضها، وتتحد مع بعضها مكونة مرجعية واحدة، وذلك لوجود خيط درامي يربط هذه القصص ببعضها ربطا محكما هو شخصية (سارة) بطلة الرواية.
وقد رسمت الكاتبة تفاصيل شخصية( سارة) بمهارة وحرفية شديدة ، ابتداءً من اختيار الاسم المناسب للدور ، وكذلك التفاصيل الدقيقة للشخصية ، وهذا الربط الدرامي يطلق عليه في النقد الأدبي مصطلح (تعاضد النصوص الروائية).
أولا :نبذة عن قصة الجمال القاتل.
كانت هناك سيدة متزوجة تدعى سارة ، وذات ليلة من ليالي الشتاء القارصة بعد منتصف الليل ، سمعت صوتا من بعيد يناديها ، اقتربت من مصدر الصوت شيئا فشيئا حتى همس الصوت في أذنها قائلا: سارة … سارة …
ظنت سارة أن هذا الصوت حلما في منامها ، لكن الصوت الخافت عاد من جديد ينادي مجددا : سارة …، سارة…..أنقذيني .
شعرت سارة بالخوف والحيرة مسائلة : ما هذا الصوت الذي يناديني؟ وأين أجد هذا الصوت؟
خرجت (سارة) من غرفتها تبحث عن مصدر الصوت في كل غرفة فلم تجد أحدا ، فقامت بالخروج إلى الفناء فلم تجده، فخرجت إلى الشارع حتى وصلت إلى بيت قديم موحش يشبه القصر المهجور، فسمعت الصوت واضحا.
وقال : سارة أنا هنا . تقدمت (سارة) في رهبة وخوف فوجدت نفسها في مكان موحش يشبه القبر ورائحة غريبة .
فرأت شابا مُلقى على ظهره، مغطى بقطعة قماش تغمرها الدماء ، وشفاه زرقاء تشبه الجثة تماما قال لها يا (سارة) أريد أن تكشفي لي حقيقة مدفونة ، قالت ما هي ، قال : حقيقة موتى وقتلى.
قال لها اسمي (باسم) تعرفت على (هشام ) ،واتخذته صديقا لي ، وكنت أعيش مع أمي وحيدا ، بعد وفاة أبي.
أحببت (هند) أخت هشام ـ كانت جميلة ، شعرها ذهبي ، لا تضع مساحيق ، فهي الجمال ذاته ، عيناها تشبه الروضة الخضراء ، فمها كالعنقود، فرنسية القوام .
أخذت قلبى وروحي بجمالها وأردت الارتباط بها فذهبت إلى والدها وادعى أنها مريضة، وتحتاج إلى نقل كلية بأسرع وقت.
أخذني (هشام) إلى بيت في مكان بعيد معزول، ثم تم تخديري و سرق كليتي، وقلبي، وعيني.
وهنا قامت سارة بدورها في كشف هذه الحقيقة المدفونة واستطاعت أن تخدع هشام ووالده الدكتور ماهر بجمالها وتجعل الدكتور ماهر يجري عملية جراحية لابنه هشام، دون أن يعلم أنه ابنه، ويخرج أعضاءه البشرية بنفس السلاح الذي يستخدمه مع ضحاياه، ولكن كيف استطاعت (سارة) فعل ذلك هذا ما سيظهر لنا عند قراءة الرواية.
ثانيا: التحليل النقدي لرواية الحقائق المدفونة.
بعد قراءة نبذة عن قصة ( الجمال القاتل) من رواية الحقائق المدفونة نستطيع أن نقول :
-رواية الحقائق المدفونة تؤكد لنا أننا أمام كاتبة لديها وعي كبير بفن الرواية وتحمل خبرة وثقافة جمالية أضفت على الرواية إحساس بالحيوية والمتعة الفنية للقارئ من خلال ما يلي.
1-المفارقة الزمنية:
استخدمت الكاتبة تقنية المفارقة الزمنية من خلال :
أ-الفلاش باك :
وهو الرجوع الفني إلى الزمن الماضي وقت ارتكاب الجريمة من أجل الحصول عن المعلومات اللازمة لكشف الحقائق المدفونة.
ب- استباق الأحداث:
وهو أن يأتي الكاتب بأحداث مستقبلية ثم يشرح لنا كيف حدثت .
حيث تبدأ كل قصة بنهاية الأحداث وهو وقوع الجريمة ،ثم تأخذنا في رحلة شيقة حافلة بالغموض والإثارة حتى تنشكف لنا الحقيقة المدفونة.
2-روعة اختيار العناوين
فقد اختارت الكاتبة العناوين المعبرة عن المضمون مع قليل من الغموض الذي يجذب انتباه القارئ ، مثل : الجمال القاتل ، رسالة من العالم الأخر ، وسهام صائبة.فهذه العناوين حقا مدعاة للإثارة والتشويق .
3-اللغة والأسلوب:
اللغة التي كتبت بها الكاتبة رقية فريد لغة فصحى جميلة ساحرة ليس فيها تعقيد رقيقة المشاعر، التزمت الجرأة في عرض الموضوعات مثل الخطف وتجارة الأعضاء البشرية والنصب .
نحتت المفردات والجمل بمهارة شديدة وبأسلوب جميل فيه سلاسة وانسيابية ومن أمثلة ذلك :
“اقتربت سارة من هذا الكلب شيئا فشيئا فنبح الكلب أكثر وكأن نباحه يشبه العويل ، نزر إليها ولمحت في عينيه دموعا، كأنه يبكي حزنا، وكأنه يشتكي إليها هما، قالت : ماذا بك ؟ ”
4- التعامل مع أسماء شخصيات الرواية:
تعاملت الكاتبة رقية فريد ببراعة شديدة مع أسماء الشخصيات، فقد جاءت أسماء شخصيات رواية ( الحقائق المدفونة) متناسقة مع دورها في الرواية مثل: شخصية (سهام)
فاسم سهام : علم مؤنث وهو جمع (سهم) ومعناه: النبال، التي نوجهها للأعداء لقتالهم ، وهو من الأسماء غير المرغوب فيها لقبح معناه.
وقد كانت (سهام
تسجيل الدخول
تسجيل الدخول
استعادة كلمة المرور الخاصة بك.
كلمة المرور سترسل إليك بالبريد الإلكتروني.
تتجه
- الولايات المتحدة تحتفل بعيد الشكر الباهظ الثمن بسبب نقص البيض
- ما يجب اتخاذه لعلاج أنفلونزا البكاء؟
- الأزهر يرحِّب بتوجيهات الرئيس السيسي التي رفعت مئات الأشخاص من قوائم الإرهاب
- كارثة في البحر الأحمر: غرق مركب سياحي وإنقاذ جميع الركاب
- إجتماع مجلس جامعة السويس بحضور اللواء طارق الشاذلى برئاسة الدكتور أشرف حنيجل رئيس الجامعة
- إختيار 192 حاجًا لموسم 1446 هـ – 2025م بمحافظة السويس
- شيخ الأزهر يستقبل المستشار حنفي الجبالي رئيس مجلس النواب
- طريق مهجور
- المتحدث باسم نتنياهو لـCNN: الحكومة الإسرائيلية تصوت غدًا على اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله
- “القليوبية تنفذ التدريب العملي المشترك لمجابهة الأزمات والكوارث في مشروع صقر 141”
السابق بوست
القادم بوست
قد يعجبك ايضا
تعليقات