فادي ماهر
تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة؛ عقد المجلس الأعلى للثقافة وأمينه العام الدكتور هشام عزمي مائدة مستديرة بعنوان “الإعلام والثقافة العلمية.. نحو ثقافة منخفضة الكربون في مصر والتوعية بالتغيرات المناخية”، نظمتها لجنة تنمية الثقافة العلمية والتفكير الابتكاري ومقررها الدكتور حامد عيد، بالتعاون مع لجنة الإعلام ومقررها الدكتور جمال الشاعر، ولجنة الجغرافيا والبيئة ومقررها الدكتور عطية طنطاوي.
أدار الندوة: الدكتور حامد عيد، الأستاذ المتفرغ بكلية العلوم جامعة القاهرة ومستشار مصر الثقافي السابق بالمغرب، ومقرر لجنة تنمية الثقافة العلمية والتفكير الابتكاري.
بدأ الدكتور حامد عيد الجلسة بتحديد هدف مباشر، ألا وهو وضع توصيات يمكن تفعيلها من خلال لجان المجلس، موضحاً أن هذه الندوة يشترك فيها ثلاث لجان، ما يؤكد مدى التشابك للقضية التي ستناقش، ولخصها في طرح عدد من الأسئلة:
كيف يمكن تطوير ثقافة علمية لفهم البصمة الكربونية وتطوير الحلول (محو الأمية الكربونية)؟ وكيف نستطيع مقاومة الآثار المحددة للكربون في بيئة مصر وسكانها؟ وما الدور الحاسم الذي يمكن أن يقدمه الإعلام حول التوعية الإعلامية عن البصمة الكربونية؟ وما الاستراتيجيات المناسبة لدمج تخطيط المدن والمواصلات منخفضة الكربون وحلول الطاقة المستدامة لتخفيض البصمة الكربونية؟ وما الجهود الدولية التي يمكن أن تدعم دور مصر، التي تقوم ببرامج محددة للتنمية المستدامة؟ وكيف يمكننا تعزيز التعليم والتفكير المبتكر في صنع بصمة كربونية منخفضة؟
وتحدث الدكتور عطية الطنطاوي، أستاذ الجغرافيا عميد كلية الدراسات الأفريقية جامعة القاهرة، ومقرر لجنة الجغرافيا والبيئة حول التغيرات المناخية ومدى اتفاق قادة العالم حولها، فهي قضية تهدد الكوكب بأسره، فلم يسبق اختلاف الجميع على ظاهرة كما يحدث مع المناخ، فاتجاهات درجة الحرارة في ازدياد، وهذه حقيقة حصلنا عليها في جميع محطات الرصد المناخي، إذ زادت درجة الحرارة في القرن العشرين نحو 0.7%، وفي العقدين الأخيرين زادت أكثر من درجتين.
وأوضح الطنطاوي مدى أهمية خفض البصمة الكربونية، والتوعية بهذا الموضوع، فالمناخ يتحكم في كل شيء في حياتنا، وتعد مصر من الدول الرائدة في مجابهة ظاهرة التغير المناخي، فقد صار ربع استخدام مصر من الطاقة النظيفة، وأعظم محطات توليد الطاقة موجودة بمصر، وإفريقيا كلها بصمتها الكربونية في العالم نحو 5% فقط.
واتفق مع الدكتور حامد عيد على أهمية وضع توصيات يمكن الخروج بها من هذه المائدة.
وتحدث الدكتور جمال الشاعر، الشاعر والإعلامي ومقرر لجنة الإعلام، عن أهمية أن يحيا المواطن المصري حياة جيدة، ونحن بصدد إعادة برمجة العقول، فما زلنا نفكر بطرق نظرية، فما الحل؟
مضيفاً أن الإعلام ليس فيه مبشرون بالثقافة العلمية، وليس هناك مناخ داعم على الفكر وعلى الثقافة، ومؤكداً أن هناك أزمة كبيرة، وتتزايد، لأننا للأسف دخلنا في نظام التفاهة (التسطيح وتحول الإنسان إلى مجرد رقم)، وإن كانت هناك مواقف وشواهد في تراثنا تنتصر لقيمة الفكر، فعلينا بالمبادرات المستدامة، وأن يتصور كل عالم أن لديه زكاة العلم المجتمعية فيضرب بسهم في سوسيولوجيا المعرفة، ويوجه الناس إلى التخصصات الجديدة، والمهمة.
وبدأ الدكتور أحمد بهاء خيري، الأستاذ بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية رئيس الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا (الأسبق)، وعضو لجنة تنمية الثقافة العلمية والتفكير الابتكاري، حديثه بأن التعريف الذي تبناه معظم من أثروا في البشر، وهو الخط الموسوعي الذي يربط الحقائق بالواقع، أن الكربون مادة متسيّدة، ويحظى بحيز من الوجود في عمليات التمثيل الحيوي وتخليص الجسم من رواسب وشوائب التمثيل الغذائي، كما يشغل حيزاً من العالم كله، موضحاً أن الرئيس الأمريكي ألقى حديثه عن الكربون الذي تطور، ثم أضر، ثم شطح إلى دائرة الأذى، مثيراً قضية انبعاثات الغازات الدفيئة، وهي حالة لم تكن مألوفة كما قال، مشيراً إلى أن تعريف الثورة الصناعية الرابعة، انطلق مؤتمر دافوس، وأعرب عن أمله بوضع عدد من التوصيات لتخفيض البصمة الكربونية.
وتحدث الدكتور رفعت جبر رئيس قسم التقنية الحيوية بكلية العلوم جامعة القاهرة، وعضو لجنة تنمية الثقافة العلمية والتفكير الابتكاري، حول العدالة المناخية والتعليم من أجل التنمية المستدامة، مشيراً إلى مؤتمر المناخ الأول في برلين (1995) الذي جاء كنتيجة واقعية لمؤتمر الأرض (المناخ) (1992)، وكان المغزى منهما التنمية المستدامة، فكيف يمكن تحقيق التنمية المستدامة دون وجود عدالة؟ وأوضح أن مؤتمر كوب 27 (cop 27)، انعقد في شرم الشيخ، وأن مصر تبذل جهوداً مضنية في الفترة الأخيرة لتخرج من عباءات الغرب، وتحاول جاهدة لمجابهة الحظر عليها في كل الاتجاهات.
وتحدث عن جبر عن أهداف التنمية المستدامة (لليونيسف) السبعة عشر، ومنها: القضاء على الفقر والجوع والحفاظ على الصحة وتوفير الطاقة، والعمل اللائق، والحد من عدم المساواة، وتوفير الماء، وغيرها، ولم يتحقق من تلك الأهداف السبعة عشر إلا القليل، كما أشار إلى أن هناك محاولات جادة بين اليونيسيف ومصر لإنشاء المدارس الخضراء، وتعليم الأطفال وتعهدهم بالرعاية الصحية والثقافية، مؤكداً أن العقلية المصرية من العقليات المميزة على مستوى العالم وتستطيع أن تؤثر لو أتيحت لها الفرصة الحقيقية.
وأكدت الدكتورة منى الحديدي، أستاذ الإعلام جامعة القاهرة وعضو لجنة الإعلام، أن الثروة البشرية المصرية هي الثروة الحقيقية التي ينبغي استثمارها على كل الأصعدة، والموضوع الذي يُناقَش اليوم ينبغي تشارك عدد من اللجان والتخصصات كي يمكن معالجته بشكل حقيقي، مؤكدة أن تحقيق أو توفير الثقافة العلمية لم يعد ترفاً، فنشر وتكوين الثقافة العلمية، بل والوعي عند كل الناس والمؤسسات والقيادات، مع افتراض أن المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي وهم القوة الأولى المؤثرة في الأطفال، لو لم يكن لديهم وعي فماذا يقدمون وكيف يؤثرون؟ وبالتالي فالإعلام والثقافة لا بد أن يتشاركا في صنع الوعي الجماهيري، وموضحة مدى أهمية تهيئة الجماهير للتحول الرقمي والثقافة الرقمية، داعية لوجود سياسة ثقافية إعلامية تربوية مشتركة لبناء الإنسان.
متسائلة: كيف لا تهتم مصر بالأطفال، وكيف لا يكون هناك قنوات للأطفال، وكيف لا يكون للهيئة العامة للاستعلامات موقع إلكترونية؟ ففن الكرتون الياباني (الإنمي) كان الخطوة الأولى في انتشار التكنولوجيا اليابانية في العالم كله، وعليه فينبغي أن يدخل موضوع التوعية والثقافة العلمية في كل مجالات الفن، الدراما وبرامج المرأة، وسواهما، كما ينبغي من عودة المراجع العلمي للبرامج ومواد السيناريو للمسلسلات الدرامية، باحثةً عن أدوار المثقفين الغائبة، قائلة: نحن بحاجة إلى المثقف العضوي (المندمج في قضايا المجتمع ويطرح الرؤية المستقبلية).
وجاءت ورقة الدكتور السيد محمود سليمان، الأستاذ بقسم الفيزياء كلية العلوم جامعة عين شمس، وعضو لجنة تنمية الثقافة العلمية والتفكير الابتكاري، بعنوان “الكربون في البيئة ما له وما عليه”، والذي بدأ بالحديث حول أهمية الكربون في البيئة، وكيف جاءت المشكلة من زيادته، مؤكداً أن النشاط البشري هو السبب الأساسي في زيادة نسبة الكربون، طارحاً الحل الفوري والأساسي، وهو زيادة التشجير، والحرص على الزراعة.
وعدد سليمان صور الكربون في الطبيعة، ومصادره الكثيرة، موضحاً أن الكربون له متآصلات، وهي الجرافيت والماس والفوليرين والكربون البلوري (السناج والفحم النباتي)، وأن الاحتباس الحراري يأتي من (الكربون وشركائه) الكربون والميثان والفلورين.
مؤكداً أن لا سبيل إلى حل المشكلة سوى الزراعة، فهي الحل الأمثل والأسرع، وفق خطة التنمية المستدامة لمصر بزراعة 4.5 مليون فدان.
وقال الدكتور محمد زهران، كاتب بجريدة الشروق وأستاذ بجامعة نيويورك، إن الثقافة العلمية ليست مجرد معلومة، وإنما كيف تقال المعلومة، وكيف يمكن توصيلها لحياة الأشخاص للتمكن من صنع أثر حقيقي.
موضحاً أن تحلية ماء البحر وغيرها يعتمد على التقنية، ويعتمد على أجهزة كمبيوتر عملاقة لا نراها، وتلك الأجهزة في حاجة إلى طاقة كبيرة، وللتمكن من تشغيل تلك السيرفرات، ينبغي أن يكون هناك حل جديد، فبرمجيات الذكاء الاصطناعي حتى الآن جيدة، ولكن كيف يمكن عمل كمبيوتر قوي من دون استهلاك طاقة كبيرة، مؤكداً المفارقة الآتية، ألا وهي أبحاث الذكاء الاصطناعي والسوبر كمبيوتر.
وتحدثت الدكتورة منى صبحي نور الدين، أستاذ الجغرافيا بجامعة الأزهر ووكيل كلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر، وعضو لجنة الجغرافيا والبيئة، عن التغيرات المناخية والتنمية المستدامة وأهمية التوجه نحو النقل الأخضر وجهود الدولة المصرية.
وتحدث الدكتور شاكر أبو المعاطي، أستاذ المناخ بمركز البحوث الزراعية، وعضو لجنة الجغرافيا والبيئة، حول علاقة ظاهرة التغير المناخي بالزراعة، فالزراعة تتأثر جذريّاً بالتغير المناخي، والجهود المصرية تسير نحو إنبات بذور تتحمَّل التغيرات المناخية.
ودعا إلى ضرورة الربط بين التوعية الإعلامية والزراعة، مشيراً إلى النماذج الإيجابية للزراعة المصرية، مع ضرورة تضافر جهود دولية بين مصر والدول الأخرى.
وجاءت ورقة الدكتورة هبة يوسف، وكيل كلية الطب جامعة بورسعيد ورئيس قسم الطب الشرعي والسموم الإكلينيكية، وعضو لجنة تنمية الثقافة العلمية والتفكير الابتكاري حول التأثيرات الصحية لتلوث الهواء الكربوني، متحدثة عن التلوث البيئي الذي أحدثه الإنسان في البيئة، ومنوِّهة عن مدى أهمية الحفاظ على الشعاب المرجانية والأسماك الملونة، وموضحة أن حالات الموت المفاجئ التي انتشرت مؤخراً في جزء كبير منها تحدث نتيجة التلوث.
وتساءل الدكتور عبد المسيح سمعان، أستاذ الدراسات البيئية جامعة عين شمس، وعضو لجنة الجغرافيا والبيئة: كيف نستطيع توصيل كل ما قلناه للناس؟ وعلام يؤثر ذلك التغير المناخي، وكيف؟ مشيراً إلى الجهود الدولية المتصدية للتغير المناخي، وموقف مصر من ذلك كله، وواجب كل فرد في مواجهة ذلك التغير المناخي، مشيراً إلى تأسيس المجلس الوطني للتغيرات المناخية، ودوره في وضع الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050.
وجاءت ورقة الدكتور عباس الزعفراني، أستاذ التصميم البيئي بكلية التخطيط العمراني وعميدها (الأسبق) بجامعة القاهرة بعنوان “الطريق نحو مدينة منخفضة الانبعاثات الكربونية”، والمدينة هي الساحة الرئيسية للانبعاثات، وهي أول المتضررين من الكوارث البيئية، مختتماً حديثه حول مخاطر تغير المناخ على العمران المصري، ومدى أهمية النقل المستدام الجماعي والتي تعتمد على الطاقة المتجددة، وتشجيع المشي.
وتحدث الدكتور عبد العزيز صلاح رئيس قسم الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة، وعضو لجنة تنمية الثقافة العلمية والتفكير الابتكاري، حول مخاطر التغير المناخي على الآثار المصرية، فلو فقدنا آثارنا المصرية كيف نعوضها؟ فالتغير المناخي يهدد بقاء الآثار المصرية، وعلى رأسها معبد أبو سمبل، لأنه قد نقل من مكانه الأصلي إلى مكان آخر، فلم يعد ثابتاً ولا مستقراً، وكذلك دير أبو منى، والأقصر بكل ما فيها من معابد ومتاحف وآثار.