القاهرية
العالم بين يديك

بيان الكلم عند الحبيب

108

سالي جابر

بعض الكلمات التي نقرأها بها بيان في حد ذاته، نسمات عطرٍ يتخلل بين السطور، تمتزج داخل الروح حتى أنك تتسائل كيف حالة كاتبها، وكيف لروحٍ أن تكتب كلماتٍ تسمو بروح أخرى في آفاقٍ بعيدة وتعود بها مختلفة عن سابق عهدها !
كلمات مهما تغيرت السنين والأزمنة محتفظة برونقها وبيانها، تمتلك قوة جاذبة تمنحك الرضا؛ فتجدها شافية وافية لكل أسئلتك، ودواء لكل ألمٍ ألَمَّ بك، كلمات تمتد من روح إلى لفظ فتسمو بك وتزدهر بها الأرض الجدباء، ترتوي بها القلوب العطشى؛ إنها كلمات الحبيب- صلى الله عليه وسلم – أتاه الله علمًا فكان كلامه وحيًا، وأخلاقه قرآنًا، وقال عليه الصلاة والسلام عن نفسه:” بُعثت بجوامع الكلم” متفق عليه.
فقال- تعالى- عنه:” وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى” سورة النجم.
فكان عليه الصلاة والسلام يختار الكلمة ذات المعنى الواضح الدقيق دون ثرثرة لا طائل منها، في كلامه بيان ودقة ولغة واضحة، لا يشق في الفهم على مسامع من حوله، رغم ثقل الكلم عليه حينما ينزل عليه جبريل- عليه السلام- فكان يأتيه مثل صلصلة الجرس وأحيانًا مثل دويَّ النحل حتى إن جبينه ليتفصد عرقًا في اليوم الشديد البرد، وحتى إن راحلته لتبرك به على الأرض إذا كان راكبها، وفى (الصحيحين) حديث زيد بن ثابت حين نزلت: ” لا يستوى القاعدون من المؤمنين” فلما شكى ابن أم مكتوم ضرارته نزلت:” غير أولى الضرر”
قال: وكانت فخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على فخذي، وأنا أكتب، فلما نزل الوحى كادت فخذه ترض فخذي.
كان يتأمل الكون لا ليأخذ من جماله المعاني العليا ويستنبط منها جمال كلماته وينظم أبياتًا شعرية، لكن الطبيعة لديه كانت للعبادة، التأمل بها لحب رب العالمين و إشادة ببهاء الخليقة التي خلقها الباريء المصور .
كان يقول في المرأة:” رفقًا بالقوارير” والقارورة هي الزجاج السهل الكسر، وكان تشبيهًا بليغًا لأن المرأة خُلقت من ضلع أعوج وهي على خلقتها إن أردت أن تعدل هذا الضلع كسرته، وقال الحبيب عنهن” ناقصات عقل” تشريفًا لهن بالعاطفة القوية التي تجعل الأنثى تحتمل آلام الحمل والوضع والتربية، وكان في حديثه اليومي يلتمس المعاني الهادئة التي لا تجرح ولا تترك أثرًا سيئًا، فعندما دخلت عليه زوجه عائشة- رضي الله عنها- وهو جالس مع أصحابه وأمامه صحن من إحدى زوجاته، قلبت الصحن… فقال الحبيب غارت أمكم.
للكون قوانينه الصارمة، وللطبيعة حدودها التي لا تحد عنها، البعض سريع الغضب، والبعض كتوم، وهناك من لا يستطيع الشرح، والآخر لا يحب التبريرات، لكن في السنة النبوية دعوة للإنسانية خالصة حتى لا تتهم أحد دون دراية منك على عمله وواقعه والأحداث التي يمر بها خلال يومه. ففي نظريات علم النفس يعمل جهاز التوازن النفسي وفقًا للغرائز والواقع والضمير، ويتحمل الشخص ما يمر به أزمات وفق ميكلنزمات الدفاع التي تيسر الوقع السيء على الدماغ والقلب وتحرره من صراعاته النفسية، والتي لا يعلمها الشخص ذاته لأنها دوافع لا شعورية، لكن الحبيب اختصرها لنا بقوله:” لا شخصٌ أحبَّ إليه العذرُ من الله، منْ أجلِ ذلك بعثَ الله المرسلين، مبشِّرين ومنذرِين ” صحيح البخاري
أي الكلمات في معناها ودلالتها نفس الوقع والتأثير دون شرح كثير.

وقال عليه الصلاة والسلام في غزوة حنين حين اشتد القتال” حمىَ الوطيس” وكان أول من قالها، وقال لبغلته دلدل:” ألبدي دلدل” فوضعت بطنها على الأرض.
ففي الأحاديث النبوية بلاغة الكلام وفصاحة اللسان ولذة البيان، أعطاه الله إياها.

قد يعجبك ايضا
تعليقات