القاهرية
العالم بين يديك

غزوة الخندق

101

سمرفاروق

غزوة الخندق (غزوة الأحزاب)

وكفى الله المؤمنين القتال
———————–
تأزم الموقف جدًّا لم يعد في الصف المسلم أحد من المنافقين، وبذل المسلمون جهدهم كله، حفروا الخندق في وقت قياسي، تحملوا في سبيل الله الجوع والبرد، حموا الخندق، ودافعوا عنه بأرواحهم، قاتلوا بضرواة، تعبوا، كافحوا ، قاموا بالمشاورات، واجتهدوا في الدعاء؛ لأن النصر من عند الله.

كان المسلمين يدعون الله تعالى أيام الأحزاب يقولون: اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا. وكان الرسول يقول: “اللُّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمِ الْأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ”.

بعد أن بذل المسلمون كل طاقتهم، ووسعهم ومحاولاتهم، يأتيهم نصر الله، ولا شك، ويأتيهم بطريقة إلهية، وترتيب رباني، حتى يعلم الجميع، ويوقنوا أن النصر من عند الله، وجاء جنود الرحمن في الأحزاب،
وسأختار منهم ثلاثة جنود فقط من جنود الرحمن نتحدث عنهم.

الجندي الأول: نعيم بن مسعود
—————————–
نعيم بن مسعود رجل من المشركين لا يتوقع إسلامه أبدًا في هذا التوقيت، بل يكاد يكون مستحيلا، ذلك أنه من قبيلة غطفان المحاصرة للمسلمين، كيف لرجل من الجيش القوي المحاصر للمسلمين، بعد أن مر شهر على الحصار، وقد ينهار المسلمين في أي لحظة وخاصة بعد خيانة اليهود، كيف له أن يترك جيشه القوي لينضم لجيش المسلمين الضعيف المهدد بالانهيار في أي لحظة؟!

جاء نعيم بن مسعود إلى الرسول يقول له: يا رسول الله، إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني ما شئت.

فقال رسول الله : “إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَخَذِّلْ عَنَّا مَا اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ”.

ولم يأمره بشيء يعمله، ولكن يشاء الله أن يلهمه بفكرة لم ترد على ذهن أحد من المسلمين، ولا رسول الله نفسه، ونعيم بن مسعود شخصية معتبرة قيادية معروف عند اليهود وعند قريش، فذهب مباشرة إلى يهود بني قريظة وقال لهم، وهم يحسبونه مشركً، ويعلمون أنه من قادة غطفان، فله معرفة بواقع الأمور وما يجري خلف الأبواب، قال لهم: قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم. قالوا: صدقت. قال: فإن قريشًا ليسوا مثلكم، البلد بلدكم، فيه أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم، ولا تقدرون أن تتحملوا منه إلى غيره، وإن قريشًا قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فإن أصابوا فرصة انتهزوها، وإلا لحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمدًا، فانتقم منكم.

فقالوا: وما العمل يا نعيم؟ قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن. قالوا: لقد أشرت بالرأي.

ثم ذهب نعيم إلى قريش مباشرةً، وقال لهم: تعلمون ودي لكم ونصحي لكم. قالوا: نعم. فقال: إن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمدٍ وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه، ثم يوالونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم.

ثم ذهب إلى غطفان وقال لهم نفس الكلام.

قريش شعرت بالقلق وكذلك غطفان، أرسلوا رسالة سريعة إلى اليهود وبتدبير رب العالمين كانت يوم السبت، قالت قريش لليهود: إنا لسنا بأرض مقام، وقد هلك الكراع والخف، فانهضوا بنا حتى نناجز محمدا. فاعتلت اليهود بالسبت وقالوا: لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن.

قالت قريش وغطفان: صدقكم والله نعيم، فبعثوا إلى اليهود، وقالوا: إنا والله لا نرسل إليكم أحدً، فانهضوا معنا نناجز محمدًا.

فقالت اليهود: صدقكم والله نعيم.

فدبت الفرقة بين الفريقين، وتفتت الأحزاب، وهكذا، بحكمة الله وتدبيره، يسلم نعيم بن مسعود في هذا الوقت، ويلهمه الله بالفكرة التي ينجح بها في تفتيت الأحزاب، ورد كيدهم.. {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82].

الجندي الثاني: الريح
——————-
والريح جندي هائل من جنود الرحمن، بعث الله ريحًا شديدة وقاسية البرودة على معسكر الكافرين لم تترك لهم خيمة إلا واقتلعتها، ولم تترك قِدرًا إلا قلبته، ولم تترك نارًا إلا أطفأتها، ووصلت شدة الريح وخطورتها إلى الدرجة التي دفعتهم لأخذ قرار العودة دون قتال وفك الحصار.. {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82].

لماذا لم تأت الريح منذ اليوم الأول؟! لماذا انتظرت شهرًا كاملا؟!

كان ذلك لكي يمتحن المؤمنين، ويتميز الصادق من الكاذب، والمؤمن الصادق من المنافق.

ولماذا لم تهلكهم هذه الريح تمامًا مثلما أهلكت عادًا وثمود؟
لأن كثيرًا من هؤلاء الكفار سيسلمون بعد ذلك، ويتكون منهم جيش الإسلام.

سبحان الله! الكون يجري وفق نواميس غاية في الدقة والإعجاز.

الجندي الثالث: الملائكة
————————
يقول الله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب: 9]

هزيمة الأحزاب
—————–
وتم نصر الله وأرسل رسول الله حذيفة بن اليمان إلى معسكر الكفار ليطمئن على سير الأحداث، وعلى فعل الرياح بهم وعلى أثر الفرقة التي أحدثها نعيم بن مسعود ، فعاد حذيفة بالخبر الجميل وبالنصر العظيم.

لقد عزم الجميع على الرحيل.

كل ذلك بدون قتال.

قال I: {وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب:25].

وانتهت واحدة من أعظم معارك المسلمين مع أنه لم يحدث فيها قتال، وكان الله يريد أن يقول لنا، ليس المطلوب هو تحقيق النصر، ولكن المطلوب هو العمل من أجله، المطلوب هو قرار الجهاد، والثبات في أرض المعركة، المطلوب هو صفات الجيش المنصور، أما النصر فينزل بالطريقة التي يريدها رب العالمين، وفي الوقت الذي يريده الله

قد يعجبك ايضا
تعليقات