القاهرية
العالم بين يديك

كسب القلوب أولى أم كسب المواقف؟

1٬271

بقلم -رانيا ضيف
قال لي أحدهم: أنت بارعة في سلب عقول الناس، لديك من الحجة ما يجعل الإقناع أمرًا يسيرا والأعجب أن محاورك يخرج من النقاش سعيدا رغم انتصار حجتك!
قلت: كل النقاشات التي أجريتها وكان محركي الأنا خسرت فيها القلوب حتى وإن انتصرت في الموقف فتعلمت أن كسب القلوب أولى وهي ذاتها الطريق لكسب المواقف.
دعنا نعترف أن جانبًا كبيرا من اختلافات الناس في النقاش يكون بسبب الخوف والقلق والضعف
إما هو ضعيف فيبالغ في إظهار القوة لأنك بطريقة أو أخرى نكأت ذلك العجز وعريت ضعفه..
أو حركه خوفه على صورته أمام الناس أو الخوف على ممتلكاته أو عمله أو وظيفته إلى آخر كل ألوان القلق المصاحبة للخوف.
مجرد تخيل إنسان يمر بكل تلك العواصف من الخوف والقلق تستطيع أن تستنج حدة حديثه أو مواقفه العدائية التي في حقيقة الأمر هي دفاعية، علينا حينها فقط أن نطمئنه، أن يكون حديثنا محسوبا دقيقا ومفعما باللين ويغلب عليه الهدوء والتفهم.
كما أن الإنسان يكون شرسا حينما يجد نفسه موضع اتهام وشك أو موضع انتقاد دائم.
لطالما كان اللين أو الرفق آسرا للقلوب محببا إليها مقنعا للعقول ومنتصرا في كل المواقف
لذلك قال عنه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم:”ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلَّا زانَه ، ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه”
عندما ساد العناد والعصبية والغلظة والكبر في التعاملات بين الناس قلت البركة وزادت النزاعات واختفت المحبة واستفحلت وتعاظمت الأنا!
فالناس غالبا ما تركز على كسب الموقف حتى إن فقدوا صديقا مخلصا أو قلبا محبا أو قريبا ودودًا. ويستمر مسلسل الخسائر حتى تحاصره سلوكياته وتتركه وحيدا، فيعود لخوفه وقلقه ويظل يتحرك في تلك الدائرة المفرغة.
من أجمل ما قرأت في هذا الصدد هي “القواعد السبع للاختلاف عند الشافعي” وقصته الشهيرة مع يونس بن عبد الأعلى -أحد تلاميذه- والذي كان قد اختلف مع الشافعي في مسألة، وظل كل منهما يدافع عن رأيه بحججه وبراهينه، فما زال كلا منهما يدلي بدلوه حتى غضب يونس وقام تاركا درس الشافعي متجها إلى بيته. وظل يونس بن عبد الأعلى غاضبا على محمد بن إدريس الشافعي حتى أقبل الليل، وسمع يونس صوت باب منزله يطرق، فسأل: من بالباب؟ فقال الطارق: محمد بن إدريس. فقال يونس : فتفكرت في كل من كان اسمه محمد بن إدريس إلا الشافعي، فلما فتح الباب فوجئ بأنه الشافعي، فقال الشافعي كلمات تنم عن نهج السلف الصالح في كيفية الاختلاف، فقال اﻹمام الشافعي : يا يونس، تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة!
_ يا يونس، لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات .. فأحيانا “كسب القلوب” أولى من “كسب المواقف”
_ يا يونس، لا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها .. فربما تحتاجها للعودة يوما ما . اكره “الخطأ” دائمًا… ولكن لا تكره “المُخطئ” . وابغض بكل قلبك “المعصية”… لكن سامح وارحم “العاصي”
_ يا يونس، انتقد “القول” لكن احترم “القائل” فإن مهمتنا هي أن نقضي على “المرض” لا على “المرضى”.
لو علم الناس أن كسب القلوب أولى من كسب المواقف لانتهت معاناتهم وتلاشت مشاكلهم وسادت المحبة والطمأنينة حياتهم.

قد يعجبك ايضا
تعليقات