عيد علي
تعلمنا أن لكل تغيير مقاومة ؛ ظاهرة تارة وخفية تارة أخرى , قوية تارة وضعيفة تارة أخرى . هذه المقاومة هي التي تتسبب في إفشال العملية التغييرية , ولذا فلابد أن يتم التعامل معها بحذر وذكاء وحكمة من أجل تحجيمها أو ترويضها أو القضاء عليها .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو : كيف يتم ترويض هذه المقاومة أو التخلص منها ؟ وبمعنى آخر : كيف يتم مقاومة المقاومة ؟
والواقع أن هناك طرقاً عديدة وأساليب متنوعة لمقاومة المقاومة , وقبل الخوض في هذه الأساليب نود الإشارة إلى الملاحظات التالية :
1-يمكن للمغير أن يستخدم أكثر من طريقة لمقاومة المقاومة , فقد لا تجدي طريقة واحدة فيضطر إلى ممارسة طريقة ثانية وثالثة ورابعة .. إلخ .
2- يعتمد تبني أي طريقة من الطرق التالية على معايير عدة , من أهمها ما يلي :
أ- طبيعة المغيرين وإمكاناتهم .
ب- طبيعة المقاومة ومدى قوتها وهل هي فردية أم جماعية .
ج- الإمكانات البشرية والمادية المتاحة
د- الظروف والأحوال الداخلية والخارجية للمنظمة والأفراد .
هـ- الزمان والمكان .
3- الغاية لا تبرر الوسيلة , ومقاومة المقاومة ينبغي أن تكون بأسلوب نظيف وشريف .
4- رغم أننا سنذكر بعض الطرق التي لا نظن أنها تتفق والخلق الإسلامي القويم إلا أن ذكرنا لها لا يعني الدعوة إلى تبنيها والتساهل في ممارستها إلا وفق ضوابط عدة من أهمها ما يلي :
أ -أن يتم ممارستها عند الضرورة القصوى .
ب- أن لا يتم استخدامها مع الصالحين المستقيمين .
ج_أن يتم استعمالها بأدنى قدر ممكن .
د-الحذر من التساهل في الكذب والنميمة .
هـ- أن يخلص الإنسان نيته لله تعالى عند استخدام هذه الطرق في حالة الضرورة .
و- أن لا يفرح الإنسان ويفتخر باستخدام هذه الطرق .
ى- أن يكثر الإنسان من الاستغفار والتوبة .
إن للمقاومة أسباباً ودوافع لابد أن يتعرف عليها المغير حتى يستطيع التعامل معها , إذ ربما لا يحتاج المغير إلا إلى كلمات قليلة يمكن بها ترويض المقاومة .
لذا , فإن أول سؤال ينبغي أن يسأله المغير للمقاومين هو : لماذا تقاومون هذا التغيير ؟ .
فإن كان السبب الحقيقي هو الجهل بحقيقة التغيير؛ كان العلاج هو توضيح جوانب وأبعاد وماهية وإيجابيات هذا التغيير .
وإن كان السبب هو الخوف على المصالح الشخصية؛ فإن العلاج هو تطمينهم بعدم تأثير التغيير على امتيازاتهم ومكاسبههم الشخصية.
وإن كان السبب هو التكاليف المادية للتغيير؛ فإن علاج ذلك يكون بتبيان الأرباح الكبيرة الآجلة التي يمكن أن حققها هذا التغيير , وهكذا الحال بالنسبة لباقي أسباب ومبررات المقاومة .
الدعاء هو السلاح الفتاك الذي يؤمن به المؤمنين , كما أنه علاقة العبد بربه , وقد أبان الرسول r أهميته فقال: “مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ إِذًا نُكْثِرُ قَالَ اللَّهُ أَكْثَرُ” رواه الترمذي .
إن على المسلم أن لا يقلل من أهمية وتأثير الدعاء , لاسيما ذلك الدعاء الذي يخرج من قلب نقي خاشع ناصح لا إثم فيه ولا معصية ,وصدق القائل إذ يقول :
سهام الليل صائبـة المرامي … إذا وُترت بأوتـار الخشوع
إننا في تعاملنا مع إخواننا المسلمين , حتى لو كانوا مخالفين ومقاومين لما نريد من تغيير , ينبغي أن لا ننسى أن لهم حقوقاً علينا , ومن حقوقهم علينا النصيحة والدعاء وإرادة الخير لهم .
وما يدري الإنسان , فلعل دعاءً صادقاً يخرج من قلب محب للخير , يرفعه الله تعالى إليه , فيستجيب له , ويجعل نار المقاومين برداً وسلاماً على المغيرين والمتغيرين , وما ذلك على الله بعزيز . وفي التاريخ الإسلامي عبر كثيرة تؤكد ما نقول , وتثبت أهمية الدعاء وتأثيره في نفوس المقاومين والمناوئين والغاضبين والمتربصين.
إن مقاومة التغيير قد لا تكون مقاومة أخلاقية شريفة , إذ ربما تحتوي على العديد من التكتيكات والحيل والتمويه , لذا ينبغي أن يكون المغير ذكياً فطناً سريع البديهة .
والذكاء وسرعة البديهة هي موهبة فطرية يهبها الله لمن يشاء , ولكن يمكن اكتسابها أو يمكن القول إنها موجودة لدى كثير من الناس إلا أنها ضامرة تحتاج إلى صقل وإظهار .
ولعل مما ينمي الذكاء وسرعة البديهة هو الاستعانة بالله , والعلم , ومرافقة الأذكياء , والاطلاع على مواقفهم .
لقد كان رسول الله r أذكى الناس وأفطنهم , روى ابن قتيبة أنه لما خرج رسول الله r إلى بدر , مر حتى وقف على شيخ من العرب , فسأله عن محمد وقريش , وما بلغه من خبر الفريقين , فقال الشيخ: لا أخبركم حتى تخبروني ممن أنتم , فقال رسول الله r ” إذا أخبرتنا أخبرناك” فقال الشيخ : خبرت أن قريشاً خرجت من مكة وقت كذا , فإن كان الذي أخبرني صدق , فهي اليوم بمكان كذا, للموضع الذي به قريش وخبرت أن محمداً خرج من المدينة وقت كذا , فإن كان الذي خبرني صدق , فهو اليوم بمكان كذا , للموضع الذي به رسول الله . ثم قال : من أنتم ؟ فقال رسول الله r : “نحن من ماء” ثم انصرف , فجعل الشيخ يقول : نحن من ماء ! ماء العراق أو ماء كذا أو ماء كذا .
وأمثلة الذكاء والفطنة وسرعة البديهة كثيرة ومتنوعة ولعل من المهم ذكر بعضها حتى تتسع المدارك وتتضح الصورة .
يروي ابن خلكان في “وفيات الأعيان” (4 /95) أن الحجاج قال لأخي قطري ابن الفجاءة : لأقتلنك , فقال : لمَ ذلك ؟ قال لخروج أخيك , فقال : فإن معي كتاب أمير المؤمنين أن لا تأخذني بذنب أخي , قال : هاته , فقال معي ما هو أوكد منه , قال : ما هو ؟ فقال : كتاب الله عز وجل حيث يقول : }وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى{ , فعجب منه وخلى سبيله .
وروي أن غلاماً لقي الشاعر أبا العلاء المعري , فقال الغلام لأبي العلاء : من أنت يا شيخ ؟ فقال أبو العلاء : شاعركم , فقال الغلام : أنت القائل في شعرك :
وإني إن كنت الأخير زمانه … لآت بما لم تستطع الأوائل
فقال أبو العلاء : نعم , فقال الغلام : يا عماه , إن الأوائل قد وضعوا ثمانية وعشرين حرفاً للهجاء , فهل لك أن تزيد حرفاً واحداً ؟ فصمت أبو العلاء وأفحم ولم يستطع الإجابة