القاهرية
العالم بين يديك

السنجة ودحديرة الشناوي

342

 

بقلم/ سالي جابر

لم تكن سطورًا نقرأها بغرض التسلية، أو هي نوع من المخدرات الغير ممنوعة للهروب من الواقع؛ بل هي الواقع نفسه… إن كنت تقرأ لتبتعد بنفسك عن المشكلات التي تؤرقك فلا تقترب منها لأنها الواقع ذاته، أراد الطبيب العراب في رواية « السنجة» تشريح المجتمع المصري فقام بتجسيده في مجموعة صفحات لأُناس يعيشون في « دحديرة الشناوي» .

اسم الرواية: السنجة

اسم الكاتب: د. أحمد خالد توفيق

النشر في دار جامعة حمد بن خليفة لعام 2012

الصفحات: 266 صفحة.

اللغة: اللغة العربية اليسيرة والتي يفهمها القاريء المبتديء.

الشخصيات: كثيرة يحمل كل منها صفة تميزه، رغم تعدد الشخصيات إلا أنك كقاريء تستطيع تمييزهم لما لهم من أبعاد نفسية واضحة،

عصام: الروائي المجهول الذي يحاول كتابة قصة، إبراهيم: الشخص الحالم الذي لا يعلم إن كان يعيش في دحديرة الشناوي أو هو ذو مال وجاه ويعيش في قصره، عفاف ونوال الضحيتان؛ نوال التي تشتهي نصف دجاجة، عفاف التي احتفظت بجسدها لأنه سلاحها الوحيد، حسين: حبيب عفيف الرجل الذي يبيع الهواء ليقتاد القليل من المال، عباس: الذي يحمل على عاتقه كيف الدحديرة بأكملها، مصطفى المزين الذي يعشق كل ما يتعلق بالموت والأكفان والمقابر.

 

أحداث الرواية:

تدور الرواية حول المجتمع المصري بمشاكله التي تتصدر لك وتمنعك الحياة، تُسمعك هدير البحر ثم تُغرقك فيه، تخطفك أمواجه المتلاطمة العالية وتهوى بالسيف على عنقك، أو تجعله تحت المقصلة؛ فترى واقعك كحقيقة بديهية لا تقبل الجدال، عصام الروائي أراد كتابة قصة حقيقة فذهب إلى دحديرة الشناوي وهي حي شعبي أهله كانوا يعيشون رغم ميتتهم على أرض الدحديرة يحكمهم حماصه البلطجي الذي لا تجرؤ الشرطة على الدنو منه ولا يستطيع مخلوق عصيان أوامره… هناك يبيعون البرشام و ينتهكون الأخوة والصداقة، يسيرون في الجنائز ويذهبون إلى المقابر دون اتعاظ من نهايتهم، يحمل المزين الموسيّ الذي يشق طريقه بنفسه دون أن يجرح أحدهم ولكنه يتحدث كثيرًا أكثر مما يجب، ويفيض جوفه بما لا يخصه إلى أن يقع تحت براثن جمال الفقي الذي يضربه حد القتل بلا رحمة ولا هوان، وكأن الحياة هناك تؤخذ عنوة، تؤخذ باليد والسلاح، ليس فيها كلمة عفوت عنك أو المسامح كريم، هناك إما السكوت أو الموت.

وعفاف الفتاة التي يعاقبها المجتمع على كونها أنثى، يحملها أن تدفع سر أنوثتها بداية من بلوغها سن الأنوثة مرورًا بعملية الختان التي تفقد البنت جزءًا من ثقتها بنفسها إلى عيون الرجال المتلصصة التي تخترق جسدها برصاصات الشهوة وأياديهم التي تمتد على الطفولة فتحرمها برائتها، ثم تفترس جسدها قطعة قطعة لينزف بأكمله وتقرر أن لا حياة لها بعدما قُتل أمامها حبيبها وبعدما سُلبت أعز ما تملكه الفتاة، فقررت أن تحرم نفسها الحياة فلا وجود لها بعد اليوم، أما نوال التي لا تملك شيئًا من الجمال بل هي فقط تثير الرجال يستمتعون بها ثم يلقون بها ككومة قمامة في وسط الشارع جائعة، ممزقة ملابسها، خائبة، تعلم في كل مرة تقول لرجل” معك ولاعة ياباشمهندس” أنها تبيع جسدها مقابل نصف دجاجة وأنها لا تسوى شيء.

وعباس الذي يحمل البرشام وهو يردد” استر يارب” يعبث بجسد امرأة لا تحل له ويردد” إن الله سترنا فلا نختبر حظنا أكثر” فهو يمزج الخيانة والحرام بالدين مزجًا غريبًا كما الراقصة التي تقرأ القرآن قبل أن ترتدي بذلة الرقص التي تُبدي أكثر مما تخفي.

ها هو المجتمع المصري الذي يعتصر شعبه مقابل شربة ماء نظيفة بلا فشل كلوي، يصارع ليحصل من المحافظة على شقة ويقف في طوابير لا تنتهي وإما أن يظفر بها أو لا، يفيض به الكيل إلى أن تساوره أفكار شيطانية وهو بطبيعته ضعيف لا يقوى إلا على الكلام.

انته بهم المطاف بثورة الشعب، ثورة 25 يناير فمن المتوقع أن يرتطم الجميع بالجدار الذي خطت عليه عفاف كلمتها قبل أن تلقي بجسدها تحت عجلات القطار، الكلمة التي تتغير في أعين من يراها في كل مرة، السنجة، السيجة، السبحة، السرنجة، السرجة.

السنجة التي ضربت بها مؤخرة عنق البائع حينما امتدت يدياه تخترق جسدها الذي لا يميزها عن أي فتى، السنجة التي اخترقت بطن حبيبها فأُلقي على الأرض ميتًا في الحال، السيجة التي كانت تلعبها في طفولتها البريئة ولُوثت بدمائها فهي فتاة صغيرة لا تفهم شيئًا أعتقدت أن تلك الدماء تعني أنها خربت شيئًا في جسدها إلى أن حملها أحد الرجال إلى بيتها، فانهال والدها عليها بالحزام وحمّلها العار لأن حدث ذلك أمام الصبية والرجال وكأن لها دخل فيما حدث بينما الأم تشاهد وتتلقى ضربات هي الأخرى، السبحة التي يبيعها حسين، البضاعة الصينية التي يبتاعها الناس لرخصها ليس إلا والتي أهداها لحبيبته عفاف، سبحة معطرة مضيئة ظلت في يدها إلى أن انفرطت حباتها من فرط حزنها على حبيبها، السرنجة التي أرادت منها صديقتها أن تحقنها إياها ممتلئة بالهواء، أرادت الموت على أيدي عفاف، السىجة التي أُقتلت فيها أنوثتها وبرائتها وعذريتها وقادتها إلى الانتحار.

أما الجدار فكان لابد للظالم التنبؤ بمن يستند على الجدار لا هزيمة له، وبعد كل تلك الهزائم في الدحديرة التي تمثل واقع مصري بائس انهزمنا رغم ثورة الجياع التي نادت بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وصارت دحديرة الشناوي هي واقعنا الأليم الذي لا فرار منه.

وفي النهاية تكشف الرواية مفاجأة لم تخطر ببالك القاريء مع بداية القراءة، سأتركها لمن يحب المفاجآت عندما يصل لنهاية الصفحات.

قد يعجبك ايضا
تعليقات