بقلم السيد عيد
ليس هناك ما هو أكثر مللاً من قراءة مقال يستعرض فيه الكاتب قدراته الخارقة التي لا تعير اهتمام القارئ لا من قريب ولا من بعيد. إذا كنت لا تصدقني، عليك قراءة هذا المقال.
لن أدعي أنني أستطيع الوقوف في الهواء أو الجلوس على الماء. كل ما أتمنى أن تصدقه هو أن لدي قدرة خاصة على التحكم في أحلامي. لا أقصد طموحات أو آمال، ولكن أقصد المعنى الحرفي لأحلامي، أي أنني أستطيع أن أتدخل في… المشاهد التي أراها أثناء النوم.
كانت حياتي في الحلم مثالية بشكل مبالغ فيه. لم تكن هناك مشاكل. لأنني مقتنع أنه من المستحيل أن يمتلك الإنسان كل شيء
حلمي الأول كان رائعا
كنت أقوم فيه بدور رب الأسرة وأذكر أنها كانت أسرة جميلة بكل المقاييس، توفرت لها بالفعل كل مقومات السعادة.
فبأقدام حافية أمشي بصعوبة في وحل الشتاء أسحب حماراً محملا بحمل كبير من الخضار والفاكهة تارة، وتارة أخري بحمل كبير من القطن ، حرثت وغرست ورويت ثم حصدت
لم أكن أتذمر أبداً، وإذا تألمت كنت أكتم وجعى في نفسي وما كانت تنبس شفتاي بكلمة شكوى قط.
اليقظة بها صور مغلوطة لا تعكس الواقع المتغير المرير، ولا تناقش مشاكله بالجدية والعمق اللازمين، بل قد يصل بها الحد أحيانا كثيرة إلى السخرية منه وتقديمه في صورة كاريكاتيرية مشوهة، وهو ما يتطلب أبحاثا رصينة لتجاوز النمطية.
اعتدت أيضاً أن استخدم هذه القدرة عندما أشعر بأن الحلم أصبح خيالياً بطريقة مستفزة .. لأن هذا يعني بطريقة غير مباشرة أنني لا أستخدم البطانية بشكل جيد، وأنني لابد أن أستيقظ حتى أنقذ نفسي من صديقتي الإنفلونزا. ولكني سأستخدم قدرتي الفذة في الخروج من الحلم.
ربما كان المال سببا في جعل الحياة أكثر سهولة وراحة، ولكن حياة أكثر سهولة لا تعني بالضرورة أنها أكثر سعادة. كأحد أبناء هذا الجيل الذي تعلمت منه أن اللعبة علي هاتفك لا تمنحك أي سعادة بمجرد أن تتمكن من اجتياز كل مراحلها حتى النهاية.
أما حلمي الثاني
أذكر أنني لم أحلم بالعيش في قصر مهيب أو أركب سيارة فارهة حلمت بمصنع كبير نصنع فيه أثوابا من القطن الذي نزرعه تحمينا من برد الشتاء تشعرنا بدفء القلوب بالمحبة والإخاء .
انتبهت فجاة الى اننا بلد مستهلك حتى النخاع، كان الدولار بثمانين قرشا.. وقتها كنا نشرب اللبن ونأكل الزبادي من شركة مصر للألبان.. كنا نشتري الأدوات البلاستيكية من شركة البلاستيك المصرية.. كنا نشتري ملابسنا من شركة المحلة للغزل والنسيج وشركة الأهرام
كنا نشتري السيراميك والأطباق من شركة السيراميك المصرية. عندما كنا نشتري البسكويت والشوكولاتة من إنتاج بسكو مصر، وعندما كنا نشتري الفضيات من شركة سيجال… وعندما كنا نشتري السيارات من شركة النصر للسيارات.
“كنا ناكل مما نزرع ونلبس مما نصنع.
أصبحنا بقدرة قادر لا صناعة ولا زراعة، الغريب أن شعارنا “صنع في مصر”
كثيرًا ما أنقذتني الأحلام من اغتيالات عنيفة كادت تودي بحياتي. كما ساعدتني في التغلب على العديد من المواقف المحرجة للغاية مع شخصيات عديدة. وبمجرد أن أشعر أن الحلم أصبح سخيفًا أو أن التصعيد الدراماتيكي للأحداث لا يسير على ما يرام، أجد نفسي قادرًا على فتح عيني بسهولة وأرى فتحت عيني ورأيت معلقا على الحائط قول الله تعالي “إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم “.. فشعرت معه بالأمان .
أحسست أن الحلم قد بدأ مرحلة الخراب. لقد استخدمت على الفور قدرتي الفريدة للخروج من الحلم. ووجدت نفسي أصرخ في المشمش. متمنيا من كل قلبي أن نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع
و أن يتحول هذا المشمش الذي ملأ أحلامي إلى “شيء من الخوخ”