بقلم _ سالي جابر
في ليلة قمراء، تزينها نجوم السماء المتقدة بضوء القمر، وتعلو فيها أمواج البحر، لترتفع وتتخطى السور الذي بيننا، ننتشي بهواءه، نتنفس أعاصيره، برق ورعد وأمطار، انتظر آخر ورقة في تلك الشجرة التي زرعتها بيدي أمام منزلي، في حديقة الحياة، ورقة شجر تسقط عندما تنتهي كوابيس السنة الماضية، وها هو الشهر الذي ينقضي عندما ينتهي ديسمبر.
ديسمبر هو نهاية شهر، نهاية سقوط الأوراق المتناثرة من أعمارنا، الورق الذي يتخطي الطوابق، ينفذ معه دخان قلقنا وغضبنا، شهر الحب، وإعادة ترتيب الحياة، والأصدقاء، والثقة، نرسم فيه دائرة في منتصفها نمد خط العمر خلال سنة، ونكتب على حفتيه الحب والكره، وكلاهما مشاعر، إن طغت الأولى على الثانية؛ ابتسمنا وزادت قلوبنا وجلًا وحبًا، وإن طغت الثانية على الأولي؛ أغلقوا تلك الصفحة، ربما أحبطنا أو أعادتنا إلى الحياة.
في ديسمبر ينقضي عام ويبدأ آخر، وفي خلال اثنى عشر شهرًا تجتمع المتناقضات، الحب والكره، الألم والسعادة، الخوف والأمان، أُناس تفعل من أجلك كل شيء، وأُناس من أجل أي شيء تيبعك، وها هي الحياة، من أتقن الدرس كان له ديسمبر أفضل حياة، ليعيد فيه الذكريات والصور، يقطع منها من كان أمره شجنًا ويدنو به في سلة الوداع، ومن كانت ذكراه تحلو حتى بعد الفراق؛ فأهلًا به في أيامٍ أخريات.
الشمس تقتحم النوافذ الزجاجية قبله بأسابيع، وفيه تستحي أن تخلو بأنامل الساعات، نهاره يمر سريعًا، وليله يغدو بين أحضان الدفا، هو ديسمبر شهر الأمطار والثليج، في آخر ليلة منه، نودع عامًا كاملًا بالعديد من الصور، ونستمتع فيه بليلٍ بهيج، مع جهاز التلفاز بفيلم وتسالي الحياة.
ديسمبر لا يختلف عن غيره من الشهور، سوى أنه نهاية عام وبداية آخر، نهاية خطة وتخطيط لعامٍ جديد، نعلم من خلاله إن كنا أجتزنا ما خططنا له، أم فشلنا في حساباتنا، وليست الحسابات هنا مادية فقط بل، بنك المشاعر من سحبٍ وإدخار، والتعرف على من له مشاعر مدخرة، ومن سحب كل رصيده، ومن يريد التجديد، ومن يطرق باب مشاعرنا لنفتح له صفحة جديدة لا مثيل لها بعد تحري، تاريخ هذا الشخص في بنك الخذلان والغرور والحرب التي طالما تمتد تحت قناع الإيمان، وكما تسقط آخر ورقة من أوراق الشجر في ديسمبر؛ أيضًا لا تلبث الأقنعة إلا أن تزول في ديسمبر، فلا تتركوه يمر من بين أيديكم مرور الكرام، لا تتركوه ينساب كأمواج البحر حينما تعبر الشاطيء ويتبلل العشاق المأخوذين بجماله، افتح مع ديسمبر صفحة جديدة، نافذة يطل منها على الحياة، وتحروا فيه الدقة، وكونوا لطفاء .
ففي ديسمبر تبدأ الحياة.
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية