القاهرية
العالم بين يديك

ولاد…أولاد حارتنا جــــ١ــ .

229

بقلم / علـــي شعــلان .
أعيش مع أخواتى الكبار ذو العدد للانهائي ، وأنا أصغرهم سنا (طفل بن السبع أعوام) . نعيش جميعاً مع أمي الولودة بدرجة بكر بإمتياز. وهى إمرأة ثكلى بذات الوقت( فأنا يتيم الأب ) . ألعب دائماً في زقائق الشوارع في الحارة التي أقطنها مع أبناء جلدتى من صغار السن مثلى. هؤلاء أصدقائي أولاد الجيران، كُلنا ولاد تسعة إلا العبد لله فهو مصباح نمرة عشرة أمامهم (أمام مصابيح مضيئة متوهجة). نقبع جميعاً فى نفس الحارة الواقعة في منطقة تسمى (( النفق المظلم )) . في كثير من الأحيان أصطدم بأوامر أمى وقسوتها إتجاهي على أبسط و أتفه الأمور؛ منها مثلاً ” ألا أشرب أكثر من قدح من الماء يوميًا. فلا يوجد ما يكفينا ولا يكفي كل هذه العائلة ( عددنا على الورق عائلة لكن على أرض الواقع عشيرة ! ) . ناهيك عن بخلها ماديًا علىِّ ، فلا أستطيع أن أتباهى بمصروفى اليومى الذي أتحصل عليه سنوياً أمام رفقائي ولاد الحارة . علاوة على ذلك ، شحها العاطفى ؛ فلم تحتضنى فى حياتى ولا قطرة. و لم تطلق كلمات التشجيع والثناء والحب لى ولا على أفعالى المحمودة . أمام الحمد تقف كالحجر الأصم ، وأمام الشين تزأر بوابل من اللكمات والصرخات كالأسد الأضم . لذا لم أعهد الحنان من منبع الحنان فى حياتى قط .
فى قرارة نفسى أسب الدهر ؛ لأن الوحيد الذى يحتضنى هو هذا القدر المكلوم . وأتنفس الصعداء قليلاً مع مرافقة إخواتي الكبار وأتفكر كيف إصطبروا على جفاء هذا العجوز وقسوتها عليهم جميعاً دون إستثناء. بل الأعجب ، يُقدمون فروض الطاعة وسنتها وشيعتها بالإضافة إلى إشكاسيتها وشيوعتها تحت بندء الولاء الغير مُتناهي ، و هم راضون وسعداء. فيعتنون بها و يتوددون إليها . إنَّ هذا لشئٌ
عُجاب !.
إن إستبصرت الحكمة والرشد ، أستبصرها من أخى الأكبر وهو العالم في العلوم الطبيعية والدكتور الجامعي “سفيان تايه ” بإحدى جامعات الحارة موجه حديثه إلىِّ : ((یا “منصور”. يا أخي الصغير وإبنى البكري الذي لم ألده . إن أمك تُحبنا ؟ فتقسو علينا ، حتى انتجت رجالاً ، رجال ونساء من صفوف الأمراء والأميرات الشجعان ، فتأمرنا للحشد قائلة : (( الصف دُرّْ)) . فنردد قائلين: ((لله دُرّْ)).
هدأت و أسكت توجيهُ لي جمرات قلبي الملتهبة . كيف لا أهدأ و أبي الثاني و أكبرنا سناً و مقاماً ينصحني :(( يا سفيان انت حبيبى و نور كبدى. أنت شعلتى وطريق مستقبلى الذى لن يتعثر بك ، مهما تكلف طريقى من سلاسل عقبات، قائدها أنصاف الحمير النافقة على خارطة الطريق! )) . كلمات أتمتم بها حين أرى أخي هذا في قرارة نفسى .
و يمر القليل حتى أخالط أصحابى و ما أن نلهو ونلعب وأرى الزينة على وجوههم، والترف في جيوبهم ، وتتبختر أيديهم وأرجلهم من النعيم حتى يلتهم الحزن قلبي، ويشاركني الأصحاب الأقل حظاً مثلى . نشاطر بعضنا بعضاً على أقدارنا الشبيهة البائسة . وحين يزداد عضبي أكثر، تتقلص دائرة الصحبة المشاركين ( هي دائرة تختص على الصحبة ذي قدر المعاناة الواحدة أعضائها ، وإن إنتشلتك (أخذتك) أمك من تلك الدائرة؛ لكي تُنجيك من آلامها سواء بالترغيب عن طريق الإحتضان أو الترهيب عن طريق الإحتقان، فهذا يعنى أنك تسابقنا بدرجة من النعيم ولم تعد تشبه أصحاب الدائرة البائسين ) . تصيح الدائرة بقلب واحد : (( لماذا أيها الإله ؟ . لماذا لم نتنعم بكرم وحنان أُمهات كأُمهات أصحابنا أصحاب الترف )) .

يتبع

قد يعجبك ايضا
تعليقات