القاهرية
العالم بين يديك

موهبة الاستعطاف

270

 

بقلم/ سالي جابر

في كل خطوة في شوارع مصر تجد من يُوقفك ويستعطفك ببعض الدموع، يستحلفك بمن تحب، مع قليل من الدموع التي يسكب عليها قطرات من الحزن المرسوم بريشة فنان بارع، والكثير من ( الصعبنيات) .

امرأة تحمل طفلة حافية، هزيلة، ضعيفة، ملطخ وجهها بالغبار، باكية، و لا يعرف المشط طريقًا لشعرها؛ تستعطفك وتستجديك قليل من المال لتُطعم طفلتها الضائعة، أو رجل خمسيني يحمل مناديلًا يتوسل إليك بعض النقود، يأمل أن يعود لعائلته ببعض الطعام، امرأة تقف منحنية رابطة ظهرها بحزام لا تستطيع الوقوف لكنها تظل هكذا طوال اليوم، امرأة بائعة ورد أو مناديل أو أذكار، تجد معاك أنثاك تطلب منك مالًا وتدعو لك( ربنا يخليكم لبعض).

تخرج من باب المسجد يوم الجمعة لتجد امرأة تطلب منك مالًا، وتدعو لك بالستر والصحة والرضا. وهناك نماذج عديدة لمن يجيدون فن التمثيل، واستدعاء الدموع، ينصبون عليك برضاك وبموافقتك؛ فقط بقليل من الاستعطاف.

في العمل تجد شخص عطوفًا، متسامحًا لأبعد الحدود، يمكنك اختلاق الأعذار ليحمل عنك أعباء العمل، وما عليه إلا أن يشعر بالتعاطف معك؛ فيوافق طلبك

وكما يقول المبدع الراحل جلال عامر:” المشكلة ليست في الترزي، هناك عيب في القماش نفسه !”

المُستعطف لديه مهارة عالية ليأخذ كل حواسك في جولة معه فترى مشاكله وهمومه ومعاناته الحياتيه بعينيه هو، يجعل قلبك يبكي من أجله، فتنسى أعبائك لتخليصه من عبئه، وأنت في سعادة بالغة تُشعرك أنك الصديق المخلص، العطوف، الحنون، الشخص ذو القلب اللطيف الرقيق الذي لا يمكنه رؤية ألم في عيون أحد، ولا الربت على كتفيه، ويمسح عن خديه دموع التعب.

من سبب الخداع؟!

كلاكما؛ هو بارع ويعلم بذلك، وأنت ضعيف ولا تعلم بذلك.

رؤية الأمور بعين الشخص ومعايشة مشاكله من أجل مساعدته شيء رائع، بينما الانغماس معه حد نسيان ذاتك والتخلي عن دورك تجاه نفسك ضعف.

كيف تستعطفك امرأة تشد حزام حول ظهرها من شدة الألم وهي واقفة على قدميها طوال الوقت !

كيف تنتظر الدعاء من شخص لا يصلي وأنت خارج من المسجد، كنت في مَعِّية الله- تعالى- دعوته ورجوته لتنال رضاه !

أين عقلك وأنت تنخدع بسهولة!

ذات نهار في تجمع عند البنك دخل رجل يبيع بعض المنتجات سهلة الحمل، رديئة الخامات، يبكي من أجل الحصول على المال، يستعطف من حوله، فتساءلت: كيف يبكى الرجل أمام النساء هكذا إلا لأن الأمر حقيقة! لكن بقليل من التفكير فهمت اللعبة، كان بإمكانه الجلوس في مكان آخر لبيع ما يحمله، لكنه أراد استعطاف النساء بقلوبهن الضعيفة، ودمعاتهن اليسيرة، ولهذا فهو ذكي أو ذو نصاحة يستعطف القلوب والعقول.

بعض الأفلام تستعطف المشاهدين لشخص ما رغم بشاعة ما يفعله، كما في فيلم القديرة فاتن حمامة، أرادت أن تنجد أخيها من الباشا وتزوجته، لكن لفارق السن العظيم بينهما، ولاختلافهما المادي والاجتماعي، ولأنه عملي وهي عاطفية بدأت الخلافات تنتشر كالهشيم في النار، ومع أول فرصة خانته. هي امرأة متزوجة حتى وإن اتفقا على الانفصال فهي مازالت تحمل اسمه لا يمكنها أن تحب غيره وتنجرف مع عاطفتها… لكن الفيلم أراد استعطاف الجمهور مع الجاني وليس الضحية، وفيلم تايتنك تم الاستعطاف مع رجل غني، عاطل، شارب الخمر .

الاستعطاف يحدث يوميًا للجميع، بداية من البيت بين الأهل إلى الوظيفة والشارع.

الاهتمام بالآخرين والشعور بهم لا يعني أن نتركهم يخدعونا بسهولة .

قد يعجبك ايضا
تعليقات