القاهرية
العالم بين يديك

الصبر

629

بقلم حسن محمود الشريف
خلق الصبر من الأخلاق التي أمر بها رب العالمين وتحلى بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويجب على كل مسلم أن يتحلى بهذا الخلق طاعة لله سبحانه وتعالى.

ولقد أمر الله سبحانه بالصبر فى كتابه الكريم فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(آل عمران: 200).
والصبر على ثلاثة أنواع
النوع الأول صبر على الطاعة والنوع الثانى صبر عن المعصية والنوع الثالث صبر عند المصيبة.
والصبر هو زاد المسلم في كل أمر، ولا يبلغ الهدف إلا من صبر عليه؛ فالطاعات التي فيها صعوبات، ومشاقّ مستمرة، تحتاج إلى صبر عظيم عند أدائها، وتحمّل كبير في مشاقّها، ويكون نجاح المسلم فيها بالصبر على فعلها، وتعظم الخسارة إن عجز عن تحمّلها، وتقاعس عن أدائها، ويحتاج العبد المسلم أيضاً إلى صبر عظيم على ترك المعاصي والذنوب التي تهواها نفسه، وتكثر فيها رغبته، وخصوصاً عند قدرته على فعلها، وتتأكّد الحاجة إلى الصبر عند حدوث البلاء، ونزول القضاء؛ لأنّ النفس البشريّة تضعف عند المصائب والشدائد؛ فيصبر المسلم على قضاء الله -تعالى-، ولا يتسخّط عليه؛ فالإنسان يحتاج إلى الصبر في كلّ لحظة من لحظات حياته.
ويقول الله -تعالى-: (رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَما بَينَهُما فَاعبُدهُ وَاصطَبِر لِعِبادَتِهِ هَل تَعلَمُ لَهُ سَمِيًّا)؛ فذكر الله -تعالى- الصبر بصيغة المبالغة؛ فلا بدّ من مجاهدة النفس على أداء حقّ العبودية لله -تعالى-، والصبر على طاعته -جلّ جلاله-.
ويقول الإمام عبدالواحد بن زيد -رحمه الله تعالى-: إذا نوى المسلم الصبر على طاعة الله، صبَّره الله -تعالى- على أدائها، وقوَّاه على فعلها، وإن نوى الصبر على ترك معاصي الله، عصمه الله -تعالى- منها، وكان عوناً ونصيراً له في اجتنابها، وقال -رحمه الله تعالى-: من ظنّ أنّ الله -تعالى- سيُخيّب صبره ويخذله عند تركه لهواه محبّةً لله -تعالى-؛ فقد أساء الظنَّ بسيّده ومولاه، ثم بكى حتى أوشك أن يغمى عليه، ثم قال: “بِأَبِي أَنْتَ يَا مُسْبِغَ نِعْمَةٍ غَادِيَةٍ وَرَائِحَةٍ عَلَى أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ فَكَيْفَ يَيْأَسُ مِنْ رَحْمَتِهِ أَهْلُ مَحَبَّتِهِ”.
وأنّ الناظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لنا المثل الأعلى في الصبر.
وليتأس العبد المبتلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في صبره، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: “لقد لقيت من قومي ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال: فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله تعالى وحده لا يشرك به شيئًا”.
وأما صبره صلى الله عليه وسلم على مشاقّ الحياة وشدّتها فكثير، يكفي في ذلك قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لعروة: ابنَ أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فقلت: ما كان يُعيِّشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم فيسقينا.
وأما صبره صلى الله عليه وسلم على فقد الأولاد والأحباب:فقد نشأ يتيماً ومات جده وأمه وهو صغير ثم مات عمه أبو طالب، وتوفيت زوجته خديجة، وتوفي أولاده كلهم في حياته إلا فاطمة، وقتل عمه حمزة، فصلوات ربي وسلامه عليه.
قال الشاعر:
اصبر لكل مصيبة وتجلَّد واعلم بأن المرء غير مُخلَّدِ
أوما ترى أن المصائب جمَّةٌ وترى المنية للعباد بمرصد
من لم يصب ممن ترى بمصيبة هذا سبيل لست فيه بأوحد
فإذا ذكرت محمداً ومُصابه فاذكر مصابك بالنبي محمد
صلى الله عليه وسلم.
ومما هو معلوم ومستقر بين البشر أنه لا يخلو إنسان من ابتلاء أو شدة، أما المؤمن فإن أمره كله له خير كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له”.
وبيَّن لقمان في وصيته لولده أن الصبر صفة أولي العزائم، قال سبحانه حاكياً عن لقمان {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (لقمان: 17).

إنَّ الله عَزَّ وجَلَّ لا يبتلي المؤمن لهوانه عليه، ولكن ليرفع درجته ويكفر عنه سيئاته، فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفّر الله عز وجل بها عنه، حتى الشوكة يشاكها”. ومن حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله أي الناس أشد بلاءً؟ قال: “الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خُفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض، وليس عليه خطيئة
قال عمر بن عبد العزيز وهو على المنبر: (ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه، فعاضه مكان ما انتزع منه الصبر، إلا كان ما عوَّضه خيرًا مما انتزع منه، ثم قرأ: {ِإنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}(الزمر: 10).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

قد يعجبك ايضا
تعليقات