د. فرج العادلي
هنا في أرض القنال وسيناء والغردقة مشكلةٌ معضلةٌ تؤرقُ جميعَ محبي الأزهر الشريف وعاشقيه، وهي هجرة بلابله الدوح إلى أعشاشٍ لم يعرفوها وأفنانٍ لم يألفوها، وهي (مدارس التربية والتعليم).
لا شَك أن غالب المسلمين وسوادَهم العظيم يعشقون الأزهر الشريف بل يذوبون فيه حبًا وعشقًا؛ لارتباطه الوثيق بالوحي الإلهي والشرع الشريف المعصوم، وهذا الحب الجارف والصبابة الغلَّابة تحملهم على دفع أبنائهم إلى رحابه الطاهرة، وأروقته المباركة العامرة منذ آلاف السنين -بفضل الله رب العالمين-، فيدخلونه منذ نعومة أظافرهم، وينشأون فيه على طاعة ربهم، ونبيهم -صلى الله عليه وسلم، ويتعلمون من خلاله أمورَ دينهم ودنياهم، ثم يظلون على هذا الحال يتقلبون في نعمائه، ويتدرجون في منازله عبر رحلتهم المباركة حتى يختلط الأزهرُ وعلومُه وعلماؤه بأرواحهم ونفوسهم ويسري بجدرانه وحُجُرَاته وأفنيته وساحاته في عروقهم وشرايينهم وأعماق وجدانهم، وفي مرحلة معينة، وفي لحظات مباغتة غير متوقعة البتة (بالنسبة للبلابل الدوح الصغار )- وهم طلاب الأزهر وطالباته – يأتي القرارُ وإن شئت فقل الحكم القاسي الذي لم يغب طرفة عين عن قلبِ وفكرِ أولياء الأمور لهولاء الطلاب
والقرارُ يكون أحد أمرين:
الأول: هو تحويل الطلاب إلى مدارس التربية والتعليم (مع كامل الاحترام)
والثاني: هو تبييت النية – بمزيدٍ من الحزن والألم- للاكتفاء بالمرحلة الثانوية، وطيّ صفحة التعليم من حياة الطالب أو الطالبة بشكلٍ عام وتام ونهائي.
وكلا القرارين ينزل على البلابل الدوح مثل الصاعقة أو الإعصار، ويحدث بداخله انهيارٌ تام .
هذا أمر
والأمر الأخطر: أن غالب من يحول من الأزهر الشريف إلى غيره هم من النابهين والمتفوقين الموهوبين.
وكثيرا ما يجلس في البيوت – من الطلاب والطالبات- العاشقون للأزهر الشريف، وتظل الرحلة الجامعية التي كان يحلم بها تراوده وتخطر على قلبه وفكره مدى الحياة كلما استدعى ذلك أمرٌ أو موقفٌ ما .
والسبب هو عدم وجود فرع أو كلية حتى ولو للفتيات فقط، مع إن الأعداد الموجودة تستحق جامعة مستقلة ( لكن أحلامُنا وأمانينا أقل وأبسط من ذلك بكثير)
فأعداد طلاب الشهادة الثانوية بناء على إحصائية الامتحانات
الإسماعليه ٢١٥٠ طالب وطالبة.
والسويس ٦٥٠ طالب وطالبة.
وجنوب سيناء ٣٠٠ طالب وطالبة.
وشمال سينا ٦٠٠ طالب وطالبة
والغردقه ٦٠٠ طالب وطالبة
لكن لأن ثقافة غالب سكان هذه المحافظات المُحافظة الكريمة تفضل وجود أبنائها تحت أنظارها يقررون تحويلهم إما إلى المدارس العادية، أو طي صفحة التعليم تماما ونهائيا كما سلف، وجلوسهم في المنازل خاصة بعض سكان القطاع الريفي في كل المحافظات (مع كامل الاحترام والتقدير)
ويظل الأصدقاء يراقبون أصدقاءَهم الذين يواصلون رحلتَهم التعليمية بعين الحسرة والحزن وبطعم الصبار والمرار…
لذلك أنا أحاول-مع غيري- أن أوصل نداءات وآلام هؤلاء البلابلِ الدوح إلى الجد الأكبر شيخ الإسلام، الإمام الطيب – رضي الله عنه- لينظر بعين حكمته ورحمته لهم ولغيرهم.
فالبلابل الدوح تمرض وتألم في أعشاشٍ لم تعرفها وأغصانٍ لم تألفها، وظلٍ لا يقيها حرّ شوق فراق الأزهر الشريف.
والبلابل الأخرى تطوي صفحة أحلامها وأمانيها بين جدران المنزل الأربع وأركانه المصمتة الخالية من أمنيات الصبى.
فهل يمكن تحقيق الحلم ونزع فتيل الأرق والألم لهذه المحافظات كبارا وصغارا بقرارٍ رحيم بالجميع من فضيلة مولانا الإمام
كلنا أمل كلنا رجاء
والله هو المستعان.