د. إيمان بشير ابوكبدة
كانت الجيوش المغولية دائما في وضع غير مؤاتٍ في كل شيء، سواء من حيث العدد أو الحجم الجسدي. كان عدو الجندي المغولي أكبر وأقوى بشكل عام، و يعتبر أفضل تسليحا للقتال.
كان التهديد المحتمل المتمثل في مواجهة عدو متفوق عدديا هو السبب الذي جعل المغول بحاجة إلى استخدام أربعة مبادئ أساسية للنجاح في القتال: المبادرة، والكثافة، وخفة الحركة، والتزامن، بالإضافة بالطبع إلى حليب الفرس، سر سلاح القتال.
تغذيها للقتال
كانت الإمبراطورية المغولية بقيادة جنكيز خان إحدى أكثر القوى العسكرية المهيمنة في تاريخ العالم، حيث سيطرت على أكثر من 31 مليون كيلومتر مربع من الأراضي، تمتد من الصين إلى أوروبا الشرقية وتضم ربع سكان العالم.
بالإضافة إلى المفاهيم الفدائية الأساسية التي كانت ضرورية لكسب المعارك، كان الجيش يعتمد على الإيراج، الناتج عن تخمير حليب الأفراس التي تسافر مع الجنود. كان للمشروب قيمة غذائية عالية ويحتوى أيضا على نسبة كحول تبلغ حوالي 2٪. وبهذه الطريقة، لم يقم المحاربون بتقوية أجسادهم فحسب، بل تخدير عقولهم أثناء الحروب الوحشية
وكان المغول يحلبون أفراسهم ويخزنون الحليب في كيس جلدي معلق على باب أكواخهم يسمى “الخيام”. ومن دخل أو خرج كان يحتاج إلى تحريك السائل ليساعد في عملية التخمير التي كانت تستغرق نحو يومين، وبعد أن يجمد الحليب يخففونه قليلا بمزيد من الحليب ليشربه.
إن اختراع الإيراج وإدراجه في النظام الغذائي المنغولي يعطي فكرة عن سعة الحيلة والاكتفاء الذاتي لجيشهم الذي أصبح خبراء في الاستفادة الكاملة من جميع الموارد المتاحة لهم، حيث كانوا شعبا بدويا ولم تكن الزراعة تحت تصرفهم.
إلى الأبد في الثقافة
نظرا لأنهم كانوا يعتمدون بشكل كامل على الخيول، سعى المغول إلى استخراج إمكاناتهم الكاملة حتى خارج نطاق المعركة والنقل. ويعتقد أن هذه هي الطريقة التي اكتشفوا بها طريقة التخمير التي أدت إلى الإيراج. ففي نهاية المطاف، لم يكن حليب الفرس يحظى بشعبية كبيرة بين البشر على الإطلاق، ليس فقط بسبب صعوبة الحلب، ولكن أيضا بسبب خشونة الحليب، الذي يعتبر ملينا قويا للغاية.
كان التخمير هو طريقة المغول لتحييد القوة الملينة لحليب الفرس، مع إضافة المحتوى الكحولي إليه كمكافأة.
انتهى الأمر بإيراج بالبقاء في الثقافة حتى بعد نهاية الإمبراطورية المغولية. حاليا، في آسيا الوسطى، يسكب حليب الفرس في مقلاة، ويخفق بقوة ويغلى حتى يتخمر. يفعلون ذلك حتى تتحول إلى نوع من الزبدة، مما يسبب حرقة في الفم ويترك مذاقا خفيفا من حليب اللوز.
تم تسمية هذه النسخة الحديثة من الإيراج باسم “كوميس” ليتم تسويقها تجاريا.