القاهرية
العالم بين يديك

قتلوا سبعين نبيًا وأهانوا بعضهم في بقرة ؟ 

574

د. فرج العادلي 

 إذا أردت أن تفهم اليوم فعد إلى الأمس، 

هذه الأمة لها تاريخٌ حافلٌ في القتل، والمماطلة، والكفر، والبخل، والجبن. 

أما القتل: فقد روى أصحاب التاريخ وغيرهم عن أهل الكتاب أنهم قتلوا سبعين نبيًا، وإن لم يرد ذلك صراحة في القرآن الكريم إلا أنه ورد ما يدل عليه ويؤكده. 

قال البيضاوي-رحمه الله- في تفسيره:« فإنهم قتلوا شعياء وزكريا ويحيى وغيرهم…» 

ومن الأدلة التي تشير إلى ذلك: 

 ١- قوله تعالى: ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾ 

والمعنى: أنه كلما جاءهم أمرٌ من السماء، ولم يكن الأمر على هواهم، رفضوا الأمر المُرسل، وقتلوا الرسول أيضًا إمعانًا في الرفض، والعند، والمكابرة للآمر نفسه، عياذًا بالله. 

وهذا في عرف الأمم والدول شيء رهيب، ممقوت، ممجوج… تأباه كل النفوس، فلو أن دولةً ما أرسلت رسولًا لغيرها من الدول وكان بينهما حربًا، لا يمكن بحال من الأحوال قتل هذا الرسول من قبل الأعداء. 

فكيف بمن يكون حاملًا لقومٍ رسالةً من السماء من قبل الله جل في علاه، ثم يرفضون هذه الرسالة، ويقتلون الرسول! 

 أي أمة هذه ؟! 

هذا ولم يكن صدفة أو خطأ إنما كان منهجًا نهجوه، وطريقا اتبعوه، لأنهم قتلوا عددًا لا يحصى. 

 

٢- قال تعالى:﴿ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾

٣-وقال تعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾

 

فأوضح الحق سبحانه وتعالى أن قتلهم للأنبياء يكون بالباطل واضحِ البطلان وضوحَ الشمس في رابعة النهار، 

 فقد قتلوا يحيى-عليه السلام-؛ لأنه رفض زواج المحارم، وكان هذا الزواج محرمًا منذ زمن بعيد على يد موسى-عليه السلام- ومَنْ قبله من رسل الله عليهم السلام، ولم يحرمه يحيى-عليه السلام-، بل فقط رفض أن يُحله لهم، فقتلوه، وياليتهم قتلوه قتلة حسنة أو قتلة عادية، بل قتلوه شر قتلة بأبشع طريقة وشر ميتة يمكن أن يقتل بها مجرم فضلًا عن نبي كريم، لدرجة أن يغضب له كافرٌ فيأتي بجيوش جرارة من بلاد بعيدة لدمارهم وخراب ديارهم ديار الخبث والشر والفساد. 

فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف عن عروة بن الزبير قال: ما قتل يحيى بن زكريا إلا في امرأة بغي قالت لصاحبها لا أرضى عنك حتى تأتيني برأسه، فذهب فأتاها برأسه في طست. ومن أصحها كذلك ما رواه عبد الله بن الزبير قال: قتل يحيى بن زكريا في زانية كانت جارية. رواه الحاكم موقوفاً، وصححه، ووافقه الذهبي.

وإذا كان هذا حالهم مع الله ورسله، فكيف تتعجبون من حالهم مع أعدائهم ؟! 

وأما المماطلة: فقد أرهقوا نبيًا كريمًا من أولى العزم، واستهزأوا به، وسخروا منه في بقرة طلبها منهم ليكشف لهم حقيقة قاتلٍ كاد أن يُريق دماء قريتين كبيرتين بسبب فعلة شنعاء !! 

 

فالحَكَمُ بينهم (رسول كريم) والقضية (دماء ستُراق بالآلاف) 

والضحية المطلوبة (بقرة) يشترك في ثمنها أهل قرية كاملة !! 

ومع ذلك فعلوا بنبيهم الأفاعيل، فسخروا وماطلوا حتى لا يأتون بهذه البقرة! لأنهم لا يريدون الحق ولا يحبون ظهوره، ويعشقون الفتن والخراب والدماء… 

 

فكانوا يقولون: أتتخذونا هزوًا؟! فوصفوا نبيهم بالعبث.. وغير ذلك مما يعجز اللسان عن ذكره أو حتى إمراره كخاطرة على القلب. 

 

ثم قالوا: ما لونها !؟ 

وما صفتها؟! 

بل ما هي درجة اللون، أصفر أم أصفر فاتح ؟! تخيل!! 

تعمل أم عاطلة.؟! 

ثم أرادوا بعد هذا العنت والمشقة والمارثون الرهيب مع نبيهم الكريم أن يصرفوا النظر عن القضية، ويتركوها معلقة 

فقال تعالى “وما كادوا يفعلون”. 

فكيف بمفاوضتهم في وطن كبير؟!!

وأما الجُبن: فحياتهم دائمًا خلف السدود (خط بارليف) ووراء الجدران، وتحت الأرض في الملاجئ المحصنة، وهذا يعكس النفسية القلقة الخائفة الخائنة الفزعة المتوترة الرعديدة التي تسكن داخلهم،  

وهذا النوع إذا تمكن من عدوه فعل فيه كل ما يمكن فعله خوفا من قيامه مرة أخرى وفَرَقًا من ردة فعله، بعكس القوي الذي أحيانًا يلقي السلاح للخصم في للمعركة إذا سقط منه، ليكون هناك جولة مبارزة أخرى؛ لأنه يثق في قوته وقدرته. 

كذلك نتذكر قولهم: “اذهب أنت وربك فقاتلا” منتهى الجبن والخزلان والتقاعس في تنفيذ أمر الله ورسوله

وأما البُخل: فلا يحتاج لمزيد بيان، ولا عناء شرح، ولا تفصيل، فأنهم مضرب أمثال للأمم في ذلك. 

وأما البهت: فإن من معهم سيدهم وابن سيدهم، ومن ليس معهم سفيههم وابن سفيههم… أي أمة هذه التي تأبى الخنازير أن تكون منهم. 

وأما العمى والضلال والكفر: فقد أنقذهم الله من فرعون، بعد أن شق لهم البحر في آية تُدهش العقول وتحير القلوب، لكن وبعد لحظات من خروجهم إلى الناحية الأخرى وجدوا قومًا يعبدون عجلًا، فتركوا نبيهم وربهم وآياته، ومعجزاتهم، وقالوا نريد عجلًا نعبده كما لهم عجلًا يعبدونه !! 

وأما الذل والهوان: فكانوا يحنّون ويشتاقون لأيام فرعون الذي يسومهم سوء العذاب، ويقولون لنبيهم ضيعتنا والله !! ويكثرون عليه في القول أمعانا في مضايقة النبي الكريم الكليم. تخيل !! 

هل هؤلاء ترجون منهم خيرا؟! 

هؤلاء لا ينفع معهم إلا فرعون، وبختنصر، وهتلر…) 

 أو سخطٌ من الله يحل عليهم كما حل على أسلافهم.

قد يعجبك ايضا
تعليقات