د/ زمزم حسن
نتكلم أولا عن الرفق، ثم نتكلم عن القوارير، فنقول وبالله التوفيق، إن الرفق كلمة تدل على نفسها بنفسها، وتبعث معانيها إليك من أصوات حروفها، فالرفق مادة دافئة تجد منها الرفيق والرفاق ومثلها الوفاق، وهو ضد العنف والشدّة، ويُراد به اليسر في الأمور والسهولة في التوصل إليها، وأصل الرفق في اللغة هو النفع، ومنه قولهم: أرفق فلان فلاناً إذا مكّنه مما يرتفق به، ورفيق الرجل: من ينتفع بصحبته، ومرافق البيت: المواضع التي ينتفع بها، ونحو ذلك.
ويقال: رَفَقَ – به، وله، وعليه – رِفقاً، ومَرْفِقاً: لانَ له جانبه وحَسُنَ صنيعه. أما القوارير، فهن اللواتي تقر بهن أعيننا، وتسعد بهن أنفسنا، أمهات وأخوات وزوجات، تكسرهن الكلمة، وتبكيهن النظرة، يقتتن المشاعر، ويعشن على الحب، سماهن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قواريرا، تشبيها لهن بقوارير الزجاج الرقيقة، التي تحفظ بعناية، لأنها قد تكسر مع أي ضربة، لذا أوصانا بهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء». وفي رواية لمسلم: «إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها».
النساء خلقن من ضلع أعوج ضعيف، يحميه العضد والساعد، ويظل في الكنف والظل، لا يقوى على تحمل الضرب، وهو دوما إلى جانب القلب، قريب منه يتغذى من دمائه، ويستمع إلى دقاته، بخلاف الرجال الذين خلقهم الله من طين لازب، منبتهم الأرض القاسية، بينما منبت المرأة لحم ودم، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189].
فمادة المرأة من الرجل ومادة الرجل من الأرض، لذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (خلق الرجل من الأرض، فجعلت نهمته في الأرض، وخلقت المرأة من الرجل، فجعلت نهمتها في الرجل، فاحبسوا نساءكم). فالمرأة من الرجل، تبحث عنه منذ طفولتها، فتتعلق به أبا، وتهيم به زوجا، ويكون حبها الأكمل لابنها الرجل الذي يقف إلى جانبها أيام لم يبق لها في الدنيا إلا المصحف والسجادة، والنصائح التي تطرب بها أحفادها ليل نهار.
المرأة قصة عواطف، تظهر في مظاهر شتى، وتأخذ في الحياة أدوارا مختلفة، لكن دورها الأساسي لا يتغير، فهي البطلة في مسلسل حياتنا العاطفي. فالرفق مع المرأة أن يكون الرجل سلسا لينا، يعفو ويصفح، {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22].
الرفق أن تجعل العقاب آخر الحلول، ولا تقول لها لشيء فعلته لم فعلته ولا لشيء لم تفعله لم لم تفعليه، وإنما تقول قدر الله وما شاء فعل، وتنصح وتبين، وتربي وتعلم، وتجعل أعصابك في قبضة عقلك، وتجعل الدعاء لها بديلا عن الدعاء عليها، وتسأل الله في صلاتك أن يصلح لك زوجك، ويمتن عليك بهذه النعمة العظيمة التي امتن بها على أيوب عليه السلام في قوله: (وأصلحنا له زوجه) الأنبياء:90.، فهذا دأب عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، والذين يقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74]. لو استطعت أن لا تغضب في توافه الحياة وتفاصيلها التي قدرها الله منذ آلاف السنين فافعل، واجعل نصب عينيك نصيحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول لمن سأله النصيحة، وقال له أوصني، فقال له: «لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب» (والحديث في البخاري).