في قطار الأنفاق هذا آلاف القصص الماره عليه يوميًا،
يحمل آلالام والأفراح، الضحكات والآهات،
يحمل حكايات وحكايات.،
فهذا الذي يتكأ علي نفسه وتلك التي تكتم ودموعها وهؤلاء الهائمين علي وجوههم
كلًُ له حكاية
منهم من يُعافر ومنهم من يضج به حاله،
تُري لو أطلعنا علي حياتهم وسبحنا في أعماق قلوبهم، هل سنعود كما كنا؟!
لنري هذا الذي يتكأ بيده علي ركبتيه صاعدًا القطار بصعوبة، ناكسًا رأسه، تُري بماذا يُهيم؟
-ياالله يا ولي الصابرين.
ظل يُرددها واضعًا يده علي صدره الملئ بالسعال وكأن روحه تصعد.
-أرحمنا يارب.
قالتها متأففه يبدو علي وجهها آثار وظيفتها الحكومية المكدثه بالطوابير.
-معرفش يابنتي لما أرجع هشوف أعمل أكل إيه، يمكن مارجعش وربنا يخدني أرحم.
نطقت بها سيده تبدو في الأربعينات من عمرها يغلب عليها الهم وقلة الحيلة وسوء المعيشة،
تتمني أن ترحل عن الدنيا قبل أن تعود لأبنائها آسفه علي عدم مقدرتها شراء نوعًا من الخضروات لا تختاره إلا علي أساس ما تحمله محفظاتها من بضعة جنيهات.
-بقولك إيه وافقي علي العريس أنا مفيش حاجة في إيدي أعملها
قالها شاب يبدو عليه المعافرة مع الحياه، متسخ الملابس، قميصه ملئ بدوائر الزيت وبنطاله مُتهالك ومرقع،
يداه مليئة بشحم السيارات، أظافره وكأنها حوافر،
ترقبت نظراتُه بعدما سمعت مكالمته هذه حتي أعلم هل هو المُخادع أم المهزوم؟
-شماعة مبتقعش، شماعة بثبت، شماعة يا أستاذ شماعة يا أنسه.
كنتُ أتابع بائع الشماعات هذا وشماعاته الخارقة وهو يضعها علي باب القطار ويجذبها بقوة حتي يُثبت للجميع متانتها، ويُعطل النازل والطالع ويزيد من الهرج والازدحام.
-بقولك إيه ماتقوليله هو أنتي روحتي السوق وخيروكي واد ولا بت وأنتي أخترتي البت مثلا!
ده هو السبب ياخايبه مالك
قالتها موجهه كلامها لتلك الجالسه بجوارها التي يبدو إنها تحمل في جسدها جنين
وعلي رأسها تحمل الهموم والخوف وكأن نهاية العالم تدور داخل رأسها.
-البت هناء أمبارح بعتتلي بوست لل أكس كاتب فيه مع السلامه للي عايز يمشي، قال يعني مش هامه ولا فارق معاه إبن أمه ده.
قالتها وهي تلوك العلكه في فمها وتتشدق كالبهيمه التي تأكل العشب
تُري ماهذا المدعو أكس أهذا أسمًا أم وصفًا لرجل مؤكد تركها عندما سمع صوت تشديق العلكه في فمها،
حاولت ألهاء نفسي بالنظر إلي صفًا أخر من الركاب حتي لا أضطر إلي ضربها علي فمها ضربة قوية علي آثرها تبتلع تلك العلكه المثيره لأستفزازي.
وهناك في آخر العربة شاب وكأنه يلعب ألعابًا بهلوانيه
حدقت النظر لأجد بيده حزامًا ويدعي هو الأخر إنه حزامًا خارق لا يتأثر بمرور البناطيل عليه،
يُعلقه علي الماسوره الحديديه في سقف القطار ويلعب لعبة العُقله به حتي يثبت قوة الحزام،
وهو علي حق فهو هزيل الجسد يبدو وكأنه يملك جسد طفل، فلو تعلق هكذا بالحزام حتمًا لن يقع.
-أنت مش متخيله الزحمه هنا عامله أزاي.
قالتها فتاه أنيقة يبدو إنها في منتصف الثلاثينات من عمرها ويبدو أيضًا إنها غير معتاده لركوب قطار الأنفاق الملعون هذا،
رائحة عطرها الفرنسي غطي علي تلك الروائح المليئة بالعرق والرطوبه الفجه،
تبدو علي يديها آثار الرفاهيه تبدو للناظرين إنها في غاية النعومه، أظافرها نظيفة،
ملابسها لا يجروء خيال واحد من المهمومين داخل تلك العربه علي تخيل ثمنها،
تُري ماذا أتي بهذه المرفهه ذات الأيدي الناعمه والرائحة الفرنسية الغالية إلي قطار الأنفاق؟
فمثلها علي الأرجح يمتلك سياره،
مؤكد هناك سبب وإذا عُرف السبب بُطل العجب.
قررت أن أكتفي بقراءة وجوه من حولي لأقنع أنفاسي إلا تشم رائحة أخري غير رائحة ذات الأيدي الناعمه،
لأعود مرة أخري لسماعات اُذني المتصله بهاتفي وأسمع كلمات عمنا سيد حجاب وهي تتراقص في شجن علي
ألحان المبدع ياسر عبدالرحمن:
وأهو قطر وماشي… ناسي منيماشي
وبلد فالتانية… ناس وأيام فانيه ماشي
دنيا مديماشي ماشي..
ويادنيا أشحالك… روحنا ريحالك
خايضين أوحالك.. وسوادك حالك..ماشي
ماهنستعماشي ماشي.