كتبت _ سالي جابر
أخصائية نفسية
حياتنا الصاخبة تمتليء بالأحداث اليومية التي ربما إن تفكَّرنا فيها وجدنا بها أخطاء لا حصر لها، ولا أبالغ بهذا القول؛ ولهذا نحن أنبتنا زرع ليس كما نود. كل مُزارع حينما يجني محصوله يسأل الله- تعالى- أن يباركه ويجعله كما يتمنى، ولكن ماذا إذا لم تكن مُلمًا بالزراعة، وزرعت محصول في غير تربته. أو غير فصله؟ ماذا إذا أعطيت النبته مياة أكثر من حاجتها؟
لا أتحدث عن الزراعة والنباتات وإنما أتحدث عن النبتة الآدمية الموجودة في كل بيت( طفلك) ماذا تعلمت من أجله؟ و ما الميراث المعنوي الذي ستتركه له؟
شغلت الحياة اليومية الآباء إلى أن جعلت أفلاكهم تدور حول تجميع المادة ( المال) سنجد البيوت المصرية مقسمة إلى فئات:
الفئة الأولى: زوجان يعملان من أجل ( لقمة العيش) جُل وقتهما خارج البيت في العمل، والقليل داخل المنزل. لا يستطيعا توفير وقتٍ كافٍ للتنزه مع أطفالهما، ليس لديهم وقت لأنفسهما كي يكون هناك وقت للأطفال.
قد يساعد الزوج زوجته في الأعمال المنزلية، والآخر لا يهتم، قد تشكوى الزوجة من عبء مسئوليتها وبعضهن لا تشكوى… لكن حياة الأطفال غير جيدة.
الفئة الثانية: زوج يعمل أكثر من وظيفة من أجل توفير احتياجات الزوجة، الأبناء، المدارس، النوادي، والكورسات…أما الزوجة وقتها منشغل مع الأطفال في الرعاية وليس التربية، من تنشغل بالنادي والكورسات والشكل الخارجي هي فقط من تهتم بما يُقال، تنظر لطفل فلان… ليس أكثر فهي لا تريد هذا الطفل أفضل من أطفالها، ولهذا فحسب تعيش التظاهر.
وبعض النساء تنشغل بالهاتف وحياتها الشخصية دون الالتفات إلى أبنائها، وهذان النموذان سيئان، تلك أم على هامش الأمومة، أمومة لا تسمن ولا تغني من جوع.
وهناك- على الجانب الآخر- الأم الكادحة التي تحصل على الفُتات من كل شيء: فُتات الحب، الطعام، الأنوثة…تعيش على هامش الحياة.
هي أم تعمل في المنزل طوال اليوم لتلبية احتياجات الزوج والأطفال وتنسى نفسها بالمرة تعيش على ( التلقيط) وهي تجهز وجبة الفطار لأسرتها قبل النزول صباحًا تلتقط لقيمات قليلة لكنها لم تفطر، تعمل في المنزل من تحضير الغداء وتنظيف المنزل لحين عودتهم، يأكلون سريعًا ويضيع وقتها في تقسيم الأكل وتفصيصه للزوج والأطفال، والمحايلة على من لا يريد الطعام، لا تأكل جيدًا. ثم تساعد الأطفال في الواجبات المدرسية، وعندما يحل الليل وينام الأطفال تريد قسطًا من الراحة، ثم يطلب الزوج طلبًا، عندما تجهز كوبًا من القهوة يستيقظ الصغير فتشربه باردًا … وهكذا حياتها تعيش في مركبة سريعة حركتها، تعتقد أنها بذلك مثالية ! ربما لا فهي لا تهتم بنفسها وهي الأساس، أين وقتها لذاتها؟ هي بالونة تمتليء بالهواء( الضغوطات) إلى أن يأتي اليوم وتنفجر من البكاء على كوب القهوة البارد دون أن تدري أنها السبب فيما وصلت إليه.
الفئة الثالثة:
زوجان لا يعيشان معًا إما لظروف السفر أو الطلاق. لظروف السفر يشعر الأطفال بوجود أب لكنهم يرتضون منه القليل، وتكون الأم كفتا الميزان؛ هي من تدلل وتعاقب، من تمنح وتمنع، تقوم بوظيفة الأب فتكون مثقلة بالأعباء، لكن لا ننكر وجود الزوج الذي تستشيره، وتناقشه فيما يخص الحياة الأسرية، يمكن للأطفال محادثته يوميًا ودائمًا وبلا شك يقع العبء الأكبر على الأم.
أما لظروف الطلاق؛ فالأعباء التي تقع على الأم مادية ومعنوية، ليست فقط فيما يخص شأن الأطفال بل شأنها هي أيضًا
ولهذا يجب على الأم أن تراعي دائمًا حالتها النفسية، وتعلم أنها حجر الأساس في البيت، وعليها أن تأخذ قسطًا من الهدوء والاستقرار النفسي، أن تتدرب على التأمل لأن التفكير الجيد والقرارات الصحية لابد لها من تأمل، أن لا تنام على نفسها من التعب حين تضع رأسها على وسادتها؛ بل تمارس الصمت الاختياري لتفكر.
على الأبوين معرفة الفرق بين التربية والرعاية؛ والرعاية هي مرادف العناية بالأبناء والاهتمام، بينما التربية هي توجيه الاهتمامات وبناء القناعات وتنمية المهارات، و توضيح الفرق بين الخطأ والصواب.
أما إذا وفرت الأسرة الرعاية دون التربية فهي تُنشأ طفل ضعيف ليس له رأي، كل طلباته مجابة، أناني. طفل لا يعتمد عليه مطلقًا لتصل إلى أسرة قائدها أب خارج نطاق الخدمة، وأم مهمشة ثم عقوق الوالدين ثم الندم.