القاهرية
العالم بين يديك

الماضي لم يترك للورود رائحة

384

بقلم _سالي جابر

في يوم من الأيام ملأت مزهريتي بالورود ذات الرائحة العطرة، فكانت هي ابتسامتي واهتمامي، سألت البستاني كيف أعتني بها ؟ فأنا أودها بجانبي دائمًا وقد اخترتها بعناية، وتناسق الألوان، وابتعت لها مزهرية خاصة تتناسب مع حجم جمالها، اهتممت بها كثيرًا إلى أن جفت رائحتها وصارت في طريق الذبول، جريت مسرعة إلى البستاني بعيون مرقرقة بالدموع…فأجابني تلك طبيعة الورود يا صغيرتي لها وقت للإشراق ووقت للذبول، ألقي بها في القمامة واشتري غيرها، ثم بدأ بتقديم ورود أخرى بألوان شتى وروائح ذكية، وأنا لا يشدني سوى ورودي الجافة، نظرت للورود ولم أبالي بها، وهرعت إلى غرفتي أفكر في ورودي، ثم سألت نفسي لِمَ لا تبقى الأشياء دون تغيير؟ فأنا كنت أحافظ عليها كثيرًا ومع ذلك ذبلت، وقررت الاحتفاظ بها بين وريقات كتبي وكتبت عليها تاريخ اليوم لتكون لي ذكرى جميلة.
ثم فتحت صندوق الذكريات المحمل بالصور والرسائل، ابتسمت لا أعلم أهي بسمة حنين أم أنين ! لا أجد أحد ممكن كانوا بالصور، رغم حفاظنا جميعًًا على تقاربنا. وفهمت أن لكل شيء وقت، وأن الحياة تدور وفي كل مرة نقف في محطة نرتاح قليلًا من عبثية الأيام ومشقتها، نلتقط أنفاسنا اللاهثة ونشرب من كأس الأمل ثم نركب قطار الحياة مرة أخرى .
في القطار نرى في الطرقات كل شيء تارة أرض خضراء نرى فيها بشاشة الأيام التي ألقينا بها بذور الحب، فطرحت محبة وحياة خضراء يانعة، وتارة نرى صحراء قاحلة لا زرع بها ولا ماء وإذا دخلها العليل مات بحثًا عن السراب، إثر شربة ماء، الهروب… فيهرع مع الشمس وكأنها بوصلته، وهنا يتوقف به الوقت في لحظة خوف أهو على قيد الحياة أم قيد الموت !
من كان يعلم بقساوة الأيام إلا حينما يمر بها ويتذوق مرارتها. الحياة حافلة تسير بنا في كل الطرقات وتمر عبر كل الفصول، فيها نجد الطرق الممهدة فتجري الحافلة ونحن مستمتعين بموسيقى يومنا، وتمر أيضًا بالطرق المعبدة فتتكسر معها ضلوعنا ونتخبط كثيرًا، من كان معك بالرحلة؟ من أحب الفصل الذي تحبه من رواياتك؟ من كتم غيظه في عتابك حينما ترقرت الدموع في عينيك؟
أما ورودي فقد ماتت واحتفظت بها جافة كما نحتفظ بالذكريات، وأما عن مزهريتي سأملأها من جديد ومن هنا سأرى في كل صفحة زهرة ذابلة مازالت رائحتها تملأ الصفحات وينشج معها قلبي عبيرًا آخر أنا فقط من يعلم به أهو بكاء أم غناء أنين.

قد يعجبك ايضا
تعليقات