كتب عبدالله القطاري من تونس
يمكن اعتبار الصيد البحري بتونس قطاعا هامّا اذ يوفّر للبلاد التونسية حوالي 88 بالمائة من الناتج الفلاحي ويشغّل حوالي 100 ألف شخص موزّعين بين 60 ألف يشتغلون في هذا القطاع بصفة مباشرة و40 ألف شخص بصفة غير مباشرة.
علاقة التّونسي بالسّمك علاقة أزلية فرغم ارتفاع ثمن السمك فهو يدخل
في غذاء التّونسي بصفة مستمرة اذ يبلغ معدّل الاستهلاك الفردي السّنوي حوالي 111 كلغ من بين المائة ألف مواطن تونسيّ الذين يعيشون على المداخيل المتاتيّة من قطاع الصيد البحري هناك حوالي 923شخصا يرتبطون بقطاع إنتاج التّن الأحمر.
سمك التّن الأحمر هو من الأسماك التي تدخل من المحيط الأطلسي لحوض البحر الأبيض المتوسط للتّكاثر في المناطق الدافئة وتعرف بجودتها العالية من حيث المذاق والقيمة الغذائية الغنيّة بالبروتينيات لذلك فإنّها تفضّل على التّن الأبيض الذي يبقى عادة بالمحيطات.
وتهتمّ عديد البلدان المتوسّطية بسمك التّن الأحمر ولها تقاليد راسخة في
اصطياده وطهيه وخاصة في إيطاليا واليونان وقد وقع التّهافت على هذه النّوعية من الأسماك خاصّة من اليابانيين الذين يشترونه في مواسم معيّنة وبأسعار مغرية ويستهلكونه طازجا .
سمك التن واصطياده معروف بالبلاد التونسية منذ ما يزيد عن ألف سنة وقد تقطّن الباحثون أنّ هناك أسرابا من سمك التّن الأحمر تدخل من المحيط الأطلسي إلى البحر المتوسط في منتصف فصل الرّبيع فتسير محاذية للسّواحل على عمق 30م تقريبا من سطح البحر وتمرّ أسراب السمك بسواحل المغرب ثم سواحل الجزائر ثم تونس عبر مضيق مسّينا القريب من الهوارية لتصل إلى خليج سرت بليبيا حيث تتكاثر هناك بدفء مياه الخليج ثم بعد انتهاء موسم التّكاثر تعود أدراجها إلى المحيط الأطلسي.
تعلم الصّيادون في تونس أصول هذا النّشاط بفضل احتكاكهم بالصّيادين الإيطاليين الذين كانوا يستدرجون هذا السّمك عبر ممرّات يتم نصبهاداخل مياه البحر حتى تنحصر أسراب التّن في مصيدة تسمّى بيت الموت أو بيت الذّهب ثم ينهالون عليها بالسّهام فتحوّل مياه البحر إلى بركة من الدّماء .وهذه التّقاليد منتشرة خاصّة بجهة الهوارية وسيدي داود ،وهناك احتفالات سنوية تنتظم بهذه المناسبة.
أمّا عملية التّحويل فإنّها تتمّ بطهي لحم السّمكة في الماء الذي يغلّى وهو ماء البحر ثم يجفّف اللّحم المطهيّ ويضاف إليه الملح والزّيت النّباتي أو زيت الزّيتون ليعلّب داخل مصانع اشتهرت بها منطقة سيدي داود المنطقة المختصّة أكثر من غيرها في إنتاج التّن وأصبحت مصبّرات التن بسيدي داود ذات شهرة عالمية كبيرة.