القاهرية
العالم بين يديك

جبر الكسر ورقع الخرق

105

بقلم _ محمود أمين

تحمل القيمة بين طياتها المعاني التي خلق لها الله القبول بين الناس في الأرض، وجعل الله الإنسان وعاءً يحمل قيمة أو مجموعًا من القيم ثم تكون من أصله وديدنه في سائر العلاقات والمعاملات البشرية، ولا يمر عليه الموقف إلا وقد مرت عبر هذه القيم؛ فتخرج جميلة منسوجة على أحسن صنعة وأتم استداد لربط العلاقات بينه وبين الناس. وهو بعد ذلك أي الإنسان الذي يحمل القيم كالبستان الذي يحرك روائحه النسيم.
القيم مختلفات متفاوتات في الدرجات يرفع أهله بعضهم فوق بعض، كل بما حوى وطبق وكانت معاملته تبعًا لقيمته مخالفة لهواه.
وقد استرسلت في مقدمتي حول القيمة وسماحة أهلها وفي خاطري الكتابة حول المسخ الذي يقال له قيمة الصراحة في النصح والإرشاد: وعليه قد يحمل لنا أقارنا وأخص الناس بنا عاطفة زائدة فتتحول لديهم قيمة النصح إلى غلظة أو الصراحة في القول إلى تجريح باللسان وقد ختمت نصيحته باللفظ المشهور: أنا أخاف على مصلحتك لا تحزن من قولي. لقد أحزنت وجرحت مجرحًا لم يبق فيه مكان للسيوف ولا السهام (بيت شعر للمتنبي).
مسخ القيمة أو سلخها وتحولها إلى جانب آخر من الفظاظة مشهور معروف فلا يخفى على أحد، فكم حملتنا هذه المسوخ إلى السكوت والصمت ألف مرة أمام من يحملها؛ حتى لا يتحول الحوار إلى مهتم ناصح جلّاد ومنصوح ألقى رحاله وأخذ يتلقى وافلًا من سياط النصح على جميع حواسه.
وألفيت آخرين يقارن نفسه وعمله بعمل المتكلم، وما حمل المتكلم على الكلام سوء غلبة غلبته أو مصيبة ألمت به فامتلأ بكل معاني الأسى وسالت الكلمات تتدفق في حزن ينتظر أرضًا واعية ينبت لها بعد ذلك حصادًا يطمئنه، ولكنه صدم بعقد مقارنة بينه وبين المستمع المتفلسف قائلا له: -لقد كنت في يوم كذا أتصرف وأخوض غمار المعارك- كأنه قائد كتيبة أو جيش جرار وهي تصاريف الله للأمور التي حملته على النجاة وهو ريشة في وجه ريح.
وآخرين يقولون هذه حياتك والأمر إليك فانظر ماذا تفعل، وإنهم على علم بما يجب أن يُفعلن ولكنك متروك للحيرة تأكل ما تبقى من التوتر والقلق، وهم أنفسهم يقولون: لقد تركنا لك الأمر ولم نكن نريد أن نشوش عليك بالنصيحة فيتجمد بصرك على العذر الذي هو أقبح من الذنب.

قد يعجبك ايضا
تعليقات