القاهرية
العالم بين يديك

تقليد القرَّاء المشاهير في الصلاة

123

كتب _  د’ فرج العادلي

صليت خلف إمامٍ فقرأ في الركعة الأولى بصوت قارئٍ مشهور، ثم في الركعة الثانية بصوت قارئٍ آخر، فما حكم ذلك؟

 بعد الحمدلله تعالى، والصلاة والسلام على خير خلقه.

أقول: أولًا: ينبغي أن نفرق بين ثلاثة أمور

الأمر الأول:_ من ينتمي لمدرسة معينة كمدرسة المصريين أو الخليجيين، وهذا لا حرج فيه مطلقًا _إن شاء الله تعالى_ لأنه فقط يسير في رَكبهم، موافقًا لنهجهم، والتقليد هنا تقليدُ منهجٍ لا أشخاص.

الأمر الثاني:_من نشأ على صوت قارئٍ معينٍ، فتأثر به بل امتزج به كمن نشأء على صوت الشيخ المنشاوي _رحمه الله_ أو غيره فترى صاحبَه يشابهه طبعًا بلا تكلفٍ، ولا قصدٍ، بل ربما لا يستطيع أن يخرج نفسَه منه، أو ينفك عنه إلا عنتًا، وهذا أيضًا جائزٌ لا حرج فيه مطلقًا _ إن شاء الله تعالى_.

الأمر الثالث:_ من يقلد تكلفًا أو قصدًا، فحينما تسمعه كأنك تسمع القارئ الشهير، وليس الإمام الذي تقف خلفه،

وهذا يقف أمام الناس وقد جمع نفسَهُ وقلبَهُ وأحبَاله الصوتيةِ على أن يأتي بطبقة صوت فلانٍ أو علاَّن، مشغولًا عن الصلاة، والآيات والتدبر والخشوع، بل منشغلًا عن وجه ربه الكريم الذي ينظر إليه حال صلاته…

وأحيانًا يتفلَّتُ منه صوتُ القارئ ولا يستطيع العودة إليه؛ فيصير صوتُه نشازًا غريبًا أمام الناس، وتحْدُثُ له ربكةٌ شديدة، وهذه نقيصة مقيته في حق نفسه…

وإن أمر التقليد بهذه الصورة يتنافى ومكانة الإمام الذي يأُمُ المصلين في محراب المسجد، وخلفه جموعٌ من الناسِ بين طبيبٍ، ومهندسٍ، ومعلمٍ وصانعٍ، وتاجرٍ، ورجلٍ كبير، بل ربما يكون خلفه بعضُ العلماءِ، والفقهاءِ، والمحدثين … ثم تراه يفعل أمامهم، وبهم هذه الأفعال الصبيانية!

اخي في الله: إن هذا المكان رفيعُ المقام، فينبغي أن يُنزَّه ويُصان، فلا يقف فيه إلا الفاضل، الحافظ، الورع التقيُ لا المقلد، والممثل لغيره.

وإنَّ من قلدَ إمامين في صلاة واحدة أشبه ما يكون بالعابث اللاهي، أو المستعرض لحنجرته، وقدرته على التشخيص، والمحكاة، والتقليد.

فقديمًا كنّا نعجبُ للممثلٍ أو مغنٍ يقلد أكثرَ من شخصية؛ فنضحك ونتعجب له، لكن حينما يكون الموضوع هو عماد الدين (الصلاة) والمكان هو (المسجد) والمقام هو (المحراب) وعن يمينه (منبر النبوة) ثم يروح يقلد! فهذا عبثٌ عياذًا بالله تعالى ينبغي صيانة المكان عنه، وصلاته تُعدُّ مكروهة، لأنه مشغول بغير الصلاة كما هو الحال في صلاة مدافع الأخبثين، أو من يصلي بحضرة طعام يشتهيه.

إنما جُعل الإمام ليؤتم به

والله أعلم.

قد يعجبك ايضا
تعليقات