القاهرية
العالم بين يديك

بساطة الطيبين بين الحنين والتراث فن الخوص

408

 

كتب _د. احمد حشيش

الحنين للتعرف على الماضي و العودة إلى حيث بداية التطور يأخذ الإنسان ليقف على أطلال تلك الأيام والسنين وما يجب أن يتعلم من دروس في مدرسة الحياة خاصة نحن أبناء الجيل الحديث الذين لم نعاصر الكثير مما قرأنا أو سمعنا عنه من حياة الآباء والأجداد تلك الحياة التي تجمع بين البساطة والعيش في سعادة وصفاء ونقاء ونفوس خالية من الضغائن والأحقاد يجمع الفرد منهم لقمة يومه ويعود بها لأبنائه ويترك المستقبل البعيد لوقته، الحنين للعيش في مجتمع خال من الضغوط والأكدار التي تفرضها ظروف العصر وبحثنا عن هذا المجتمع والذي وجدته في منزل إحدى الجدات في إحدى القرى التابعة لمركز المظيلف والذي يبعد عن محافظة جدة 350 كيلو باتجاه الجنوب ويتبع مكة المكرمة هو منزل صغير ومتواضع أثرت فيه ظروف المنطقة المناخية المتمثلة في موجات الغبار المتوسطة والشديدة والتي تشهدها جميع تلك القرى في مواسم معروفة لدى جميع الأهالي هناك. ترحيب وطرقت الباب ففتحت لي صاحبة المنزل بكلمات الترحيب وابتسامة الجدات التي لا تغادر محياها استقبلتني في غرفتها الصغيرة والتي تضم العديد من المقتنيات التراثية والقديمة والتي لا يتحكم في تواجدها حب التراث وتجميعه واقتنائه وإنما لأن مثل هذه المقتنيات تمثل لمثل جيلهنَّ الكثير ومن أهم هذا ذكريات الماضي الرائعة رغم شظف العيش حيث تشترى من الأسواق وتصنع للاستخدام وليس للعرض ومنها ما أضفي عليه شيئاً من الحداثة والتحسين وأصبح بشكل غير الذي عرف عليه سابقاً مع الاحتفاظ بخامة الصنع نفسها. يدوى أول ما استقبلني في غرفة الجدة كراسي الحبال حيث جلست على أحدها وقد كانت تصنع يدوياً في الماضي وكان يستغرق عمل الكرسي الواحد يوماً كاملاً أما الآن فإنه يتم شراؤها من الأسواق الشعبية. بعد ذلك قدمت لي ماء باردا في قدح صغير أخذ شكل الكوب مع احتفاظه باللون الأسود المعروف للقدح والخامة المصنوع منها وهي الخشب ومن ثم طلاؤه باللون الأسود الناعم والمعروف ذلك منذ قديم العصور وبعد تبادل الأحاديث استأذنت الجدة في التصوير فسمحت لي مشكورة بل ووجدتها مستعدة لذلك وبدأت من نفس الغرفة التي هي مخصصة للجلوس حيث كما ذكرت آنفاً كانت مليئة بالمقتنيات أول ما لفت انتباهي زاوية الغرفة حيث كان بجانبها لوح تعليق وفي كل علاقة يوجد شيء وهذه الأشياء عبارة عن مرآة وقلائد قديمة وعدد من الخواتم القديمة ومروحة مصنوعة يدوياً. أخذت أسأل الجدة عن كل مما سبق على حدة فقالت: إن هذا هو المكان المعتاد وضع الحلي به وهو فوق المرآة مشبهة المكان بوضع التسريحة حالياً التي تستخدم أدراجها لوضع الإكسسوارات ومستحضرات التجميل. أنواع وتقول «الجدة»: إن القلائد الموجودة عبارة عن نوعين مختلفين بناءً على نوع الخرز المصنوعة منه فالقلادة الأولى ذات الخرز بدرجات البني يطلق عليها العسيلي وهو الدارج استخدامه بين النساء قديما ًومازلن يحرصن على اقتنائه حتى الشابات والفتيات وهذا النوع غالي الثمن حيث إن قيمة القلادة الواحدة تصل إلى ( 400 ) ريال أما القلادة الأخرى والتي خرزها عبارة عن لونين مختلفين أسود وأبيض فيطلق عليها دنجرية وهذا النوع نادر الاستعمال ولا إقبال عليه وغير معروف مثل النوع الأول. أما المروح فقد لفت انتباهي أيضاً وجود نوعين مختلفين منهما إلا أن طريقة الصنع واحدة وعندما سألتها عن ذلك قالت النوع الأول مصنوع من السعف «الطفي العربي» وهو يشترى من السوق أما الأخرى فهي مصنوعة من سعف النخيل المنزلي. آثار ويحتوي مطبخ «الجدة» على الكثير من الآثار أهمها الموقد القديم وهو من أول ما عرفت المواقد التي تعمل على الغاز كما تتواجد دلة القهوة ذات النوع القديم والتي أصبحت هي أيضاً كالموقد أصبحت من الأدوات النادرة بشكلها الحالي. وفي تلك الأثناء نظرت من نافذة المطبخ التي تطل على منظرٍ قروي آخر يعكس البيئة القروية بأكملها حيث كانت النافذة تطل على الوادي والمسمى بوادي قرماء والذي تنتشر في ربوعه أشجار السدر هنا وهناك والذي يتحول إلى جنة خضراء بمجرد هطول الأمطار الغزيرة وحلول الربيع إضافة إلى مشاهدتي حظائر الأغنام.

 

قد يعجبك ايضا
تعليقات