القاهرية
العالم بين يديك

رؤية نقدية في قصة (الموت مرتان) للكاتب مجدي مرعي

669

كتب الناقد الأدبي د/عادل يوسف.
هل ممكن أن يموت الإنسان أكثر من مرة بعد أن يدفن جسده في التراب؟!
لقد لخص الأطباء الموت بأنه يبدأ عندما تتوقف عضلة القلب عن ضخ الدم إلى أجهزة الجسم وقتها تتوقف جميع عمليات الحياة في الجسد ويصبح الإنسان بلا حركة وبلا حياة عندئذ نقول إنه مات.
ولكن الذي لا يعلمه الكثيرون أن الإنسان يموت أكثر من مرة ،وليس مرة واحدة عندما يوارى جسده في التراب، فهو يموت عندما يخسر نفسه أمام الجميع قبل أن يدفن في التراب، وعندما يفقد صفاته الآدمية وفطرة الله التي فطرها الله عليها، يكون قد استخرج شهادة وفاته في الدنيا.
فنحن نموت معنويا ، ونموت ماديا ،ونموت أدبيا، وإنسانيا، حتى الأفكار تموت إذا خرجت بصورة سلبية لا تفيد الناس.
ويطل علينا الكاتب والمخرج المسرحي مجدي مرعي بقصته الجديدة
( الموت مرتان)؛ ليؤكد لنا أن الإنسان قد يموت مرتين، وسنوضح ذلك من خلال رؤيتنا النقدية لقصة ( الموت مرتان) :
1-نبذة عن قصة (الموت مرتان):
تبدأ هذه القصة عندما تستيقظ الأم مذعورة من نومها نتيجة حلم مخيف رأت فيه خيطا يمتد من بطنها ثم يخرج من فمها ، وتسحب أمعائها من فمها حتى تصير أمامها كومة كبيرة متشابكة من الأمعاء، ثم تقوم الأم بتلاوة آيات من القرآن الكريم لعلها تهدأ وترتاح من هذا الخوف ، ثم نظرت من الشرف فرأت حشدا كبيرا من الناس يلتفون حول سيارة ، ثم جاءها أحد الأشخاص يخبرها بأن ابنها قد مات.صرخت الأم صرخة مدوية شقت عنان السماء وهزت الجبال من مكانها وأخرجت ما بداخل الأرض من براكين.
وكانت الأم تعمل رسامة وتجيد فن النحت والزخرفة، فقررت أن تمارس مهنتها فقامت بصنع دمية مطابقة تماما لابنها وألبستها زيه العسكري، وجعلت لها نفس الهيئة ونفس النظرات.
ثم غطتها بقطعة من القماش. وعندما جذبت قطعة القماش وشاهدها المعزيون لم يصدقوا أنها دمية ،حتى الأم تخيلت أن الدمية ابنها الشهيد وإنه لم يمت فانفجرت الأم بصراخها وبكاء لا ينقطع ، وأخذت تعانق الدمية بشدة وبقوة حتى تحطمت الدمية بين أحضانها.
وبذلك يكون الابن قد مات مرتين ، الأولى عندما دفن جسده في التراب والثانية عندما تحطمت دميته ولفظت أنفاسها الأخيرة بين أحضان الأم.
2- العنوان الجاذب:
(الموت مرتان) ، عنوان غير تقليدي، جاذب ، ومثير للقارئ ، يطرح العديد من التساؤلات مثل : هل يمكن أن يموت الإنسان مرتين، وكيف يحدث ذلك؟
هذا التساؤل يدفع القارئ للدخول في قراءة القصة بشغف شديد.
ونلاحظ أن العنوان جاء منسجما ومعبرا عن موضوع القصة حيث بدأت القصة بموت الجسد ، وانتهت بتحطيم الدمية بين أحضان الأم.
3-البناء السردي الجديد:
استخدم مجدي مرعي تقنية الحلم وهي تقنية جدبدة في البناء السردي فالأم تحلم حلما عجيبا يجعلها تشعر بالخوف والقلق ، وهذا الحلم فجر طاقات كامنة في القصة ، وحرر العقل من سلطان المنطق وأفسح المجال للخيال والتأويل والتوقع .
4-اللغة الشاعرة:
استخدم مجدي مرعي اللغة الشاعرة ذات الدلالات الجميلة المعبرة مثل قوله : صرخت صرخة مدوية شقت عنان السماء ، وزلزلت الجبال من أوتادها، وأخرجت ما في الأرض من حمم وبراكين.
5-النهاية الساحرة:
جاءت النهاية مفاجئة للقارئ، ولكنها منطقية ومقنعة في نفس الوقت، فعندما مات الابن صنعت الأم دمية مطابقة لهيئة ابنها تماما ، وأظهرت فيها إبداعها وألبستها زيه العسكري، وتفننت في إظهار روحه وتعبيرات وجهه ،ونظراته الحنونة حتى تخيل الجميع أن الدمية هي ابنها الشهيد ، وشعرت الأم أنها أمام ابنها فبكت بكاء شديدا وأخذت تحتضن الدمية بقوة وعنف حتى تحطمت الدمية بين أحضانها .

قد يعجبك ايضا
تعليقات