القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

هل نحن نعرف الله كما يعرف الصبي الثعبان ؟

111

كتب/ د فرج العادلي 
كثيرٌ مِنٓا يظن أنه يعرف الله تعالى، وهو لا يعرف إلا مجرد أسمائه سبحانه وتعالى فقط، والحقيقة: إن معرفة الاسم لا تكفي كي أقول أنني أعرف المُسمى، فلو قيل لك مثلًا هل تعرف فلان ابن فلان؟ ستقول نعم، لقد مرَّ عليَّ هذا الاسم كثيرًا، فنسأله: هل تعرف أخلاقه، هل تعرف هل هو كريم أم بخيل، شجاع أم جبان، هل تعرف كم عدد الساعات التي ينامها، هل تعرف كم معه من الأولاد، كم معه من الأموال، أين يسكن وفي أي طابق…؟ ستقول لا.

إذن أنت لا تعرفه.

ولقد ضرب بعض العلماء مثلًا لمحبة الله تعالى أو للخوف منه
فقالوا: إن مثلنا مع الله تعالى: محبة وخوفًا كمثل صبي صغيرٍ رأى ثعبانًا يمشي ، ففرح به الصبي، وأعجب به؛ لأنه يتلوّى ويتراقص(من وجهة نظر الصبي)، وشكله انسيابي جميل، ورشيق، ولونه زاهي وفريد، ويتسلق الجدران بسهولة، فذهب الطفل نحوه متعجبًا مسرورًا مسرعًا ليلعب معه، فإذ بوالده يأتي كالبرق الخاطف صارخًا ليختطف الطفل ويفر به من أمام الثعبان، ثم يعود مسرعًا ليقتل هذا الثعبان، وبعدها يظل الطفل يخشى هذا الثعبان، ويخاف منه، وترتعد فرائصه إذا رآه وهو لا يدري لماذا ؟! إنما فقط يخشاه؛ لأن والده يخشاه ويفر منه، ويظل هكذا حتى يكبر.

فإذا كبر الطفل وصار شابًا عرف لماذا يجب أن نهرب من الثعبان ونخشاه.

وهذا وللأسف الشديد حالنا مع الله تعالى(ولله المثل الأعلى) نحبه ولا نعلم لماذا، ونخشاه ولا نعلم لماذا، مع إن الحب والخشية يحتاجان لعلم ومعرفة ، قال تعالى﴿ إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ ﴾

ولقد سلك رجلٌ يومًا طريق محبة الله تعالى فعلم عنه، وتعلم الكثير، فصار يحب ربه حبًا شديدًا لدرجة أنه استغنى عن كل شيء سواه، وأصبح كلُ شيء في عينه لا يساوي شيئا إذا لم يكن فيه رضاه، وأن بعضهم لما زادت في قلبه محبة الله سكن الكهوف والجبال واستغنى عن الدنيا ليخلو بربه سبحانه وتعالى ولا يفارقه لحظة أو ينشغل عنه وهو يومئذ أسعد قلبا من ملوك الأرض، وهذا ليس بمستغربٍ فإننا نراه في حب البشر بعضهم بعضًا، ولنا في قيس وليلى، وجميل وبثينة، وكسير عزة، وعنترة وعبلة وغيرهم الكثير لنا عبرة في كيف تكون التضحية، والحرص على رضا المحبوب فقط، والاستغناء به عمن سواه … لأنه عرفه فأحبه

نعم نريد أن نعرف الله معرفة حقيقية، لنحبه على علم، ونخشاه على علم، وساعتها ستتغير الدنيا في عيوننا وفي قلوبنا، وساعتها سنستريح من أشياء كثيرة؛ لأنك ستعلم أن الرزق والصحة والبركة والنفع والضر والشفاء والمرض… وكل شيء في يد الله تعالى فقط، وأننا جميعًا في ملكه، وتحت حكمه وإرادته، وتقديره، وسنعلم أن هناك دارًا بعد الموت يثاب فيه المطيع، ويعاقب العاصي وترد فيها المظالم، ويُعوض المبتلى، ويستريح المتعب، وينعم البائس، ويطيب المكلوم..
نحن لا ندعوك لترك الدنيا. لا، إنما نقول: عليك أن تجمع بين الخوف والرجاء، وبين العمل للدنيا والآخرة معًا، وأن تأخذ بالأسباب وتترك النتائج لمسبب الأسباب فتصبح الدنيا كأنها جنة.

أخيرًا
الحياة بغير معرفة الله معرفة حقيقية ما هي إلا عقود من العذاب.
يتبع…

قد يعجبك ايضا
تعليقات