بقلم د. اسعد محمد الجوادى
المستشار القانوني
يرجع تاريخ مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الي القرن الثامن عشر بالأفكار الفلسفية والثورية التى كشفت مقدارالظلم الكامن فى النظم الجنائية القائمة ، فقد أثارت القسوة البالغة فى العقاب و مشاعر كثير من المفكرين والفلاسفة ، فقاموا بحملة شعواء ينكرون فيها قسوة وجسامة العقوبات التى لا تتفق مع آدمية الإنسان ، ونادوا برد العقوبة إلى أسس وضوابط تحول دون المبالغة والإسراف فى توقيعها وكان على رأس هؤلاءالمفكرين والفلاسفة الفيلسوف الإيطالى الشاب شي ازرى دى بكاريا الذى يرجع الفضل إليه فى صياغة مبدأ شرعية الجرائم العقوبات وذلك بعد نشر كتابه عن ( الجرائم والعقوبات) pene delle e dellitti Dei والذى أحدث دويا هائلا خارج إيطاليا.
يخضع القانون الجائى بفرعيه ( العقوبات والإجراءات الجائية ) لمبدأ الشرعية كما حدده الدستور وقد نصت المادة 94 من الدستور المعدل لسنة 2014 على أن سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة ، ونصت المادة 95 على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون . فالدستور يحدد من خلال نصوصه نطاق شرعية القانون من خلال ما تتضمنه النصوص من مبادئ دستورية ويجب أن يصدر القانون مطابقاً لهذه المبادئ حتى تتوافر فيه المشروعية سواء فيما يتعلق بالتجريم والعقاب أو فيما يتعلق بالإجراءات الجنائية التي تباشر عند وقوع الجرائم ضد المتهمين بارتكابها ، أو إجراءات تنفيذ العقوبات المحكوم بها .
ضمون المبدأ:
يعد مبدأ الشرعية أحد ركائز التشريع الجنائى. ويعنى هذا المبدأ أن الشارع وحده هو الذى يملك سلطة التجريم والعقاب ، فلا يملك القاضى أن يجرم فعل لم يجرمه القانون ، ولا أن يقضى بعقوبة غير التى نص عليها القانون .
وقد أصبح لمبدأ الشرعية فى المجال الجنائى صور ثلاثة: أوتستند الشرعية في القانون الجنائي علي ثلاث ركائز:
(1) شرعية الجرائم والعقوبات :
وتحكم قانون العقوبات لكي تحمي الإنسان من خطر التجريم والعقوبات ، وتحكم قانون العقوبات لكى تحمي الإنسان من خطر التجريم والعقاب بغير الأداة المعبرة عن إرادة الشعب ، وهو التشريع ، ولكى تجعله فى مأمن من التطبيق بأثر رجعي ، وبعيداً عن خطر القياس في التجريم والعقاب .
(2) الشرعية الإجرائية الجنائية :
وهى التى تحكم القواعد الشكلية أو الإجرائية للقانون الجنائى ، وتعنى كفالة احترام الحرية الشخصية للمتهم عن طريق اشتراط أن يكون القانون هو مصدر كل إجراء جنائى وتحكم قانون الإجراءات الجائية ، لكي تحمي حرية الإنسان وتوفر ضمانات هذه الحماية . ويتحقق ذلك بافتراض البراءة فى المتهم كأصل عام وأنه لا إجراء جنائي إلا بقانون يسمح باتخاذه ، وتوفير الضمان القضائى فى الإجراءات الجنائية بحسب أن القضاء هو الحارس الطبيعي للحريات وتوفير محاكمة منصفة .
(3)شرعية التنفيذ العقابي :
وهى الصورة الثالثة من صور الشرعية الجنائية والتى تهيمن على مرحلةالتنفيذ العقابى. وتعنى أن تلتزم السلطة القائمة على التنفيذ بتنفيذ الحكم الجنائى على المحكوم عليه وفى حدود القانون وبالأسلوب الذى نص عليه وفى الأماكن المخصصة لذلك وتحكم القواعد القانونية المحددة لمبادئ إجراءات تنفيذ العقوبات ، وذلك لحماية حقوق المحكوم عليه بحسب أن الحكم بالعقوبة يتطلب تقييد حرية المحكوم عليه وفقا للهدف من توقيعها دون مساس بحقوقه وحريته الإنسانية .
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية