القاهرية
العالم بين يديك

رسالة إلى مجهول( الوطن المحترق)

336

بقلم/ سالي جابر 
عزيزي ما تبقى من الروح سالمًا يكفي فقط عليلها، حقيقة السقم ليس ما يبطن في الجسد، بل ما يقطن داخل الروح ويتركها عليلة. الصمت دائمًا يخفي خلف بابه الكثير من الأوجاع، الضحكات التي تدمع لها العين ما هي إلا صرخات مكتومة نهرب منها بضحكة عالية، لم أكن أعلم يا عزيزي أنك لا تفهم ذلك، كنت أظن أن درجات الحب العالية تستكشف بواطن الأمور، تجعل المحب يفهم ما يغزو قلب حبيبه( وطنه) كما كنت تقول.
وطنك اليوم يا عزيزي احتلته الأوجاع وما زاد مرارته أنك تعلم بذلك وتركته وحيدًا. ألا تعلم أن الروح المحترقة إن لم تُطفيء لهيبها سريعًا تحولت إلى رماد !
أيمكنك أن تعيش في رماد ؟ ذاك الوطن الذي كنت تقطن فيه يحميك برودة الشتاء وحرارة الصيف، يدفع عنك الأذى، يربت على كتفيك حين العناء… أصبح اليوم رمادًا ولا يمكنك استرجاعه.
أكنت أنت الجندي الشجاع الذي يدافع عن أرضه، عن وطنه دون أن ينظر لقدماه الدامية؟ أكنت أنت ذلك الرجل الذي يضحي حتى لا يترك وطنه للمستعمرين؟ لا … لا والله ما فعلت، أنت الرجل الذي بكى على استشهاد صديقه في الحرب دون أن يحمل جثمانه ويعود به لأهله شهيدًا. لكيته بحرارة العزة والشوق رغم أنك لمحت في عينيه توسلًا أن لا تتركه، ومع ذلك فررت.
ارحل يا عزيزي، وطنك اليوم في يد المستعمرين، يحاول الإفلات وحيدًا.
أيها الجندي الذي سُرق منه وطنه، الكلمات الساحرة التي كانت تُحيي الصفحة البيضاء تُقطر عليها عطرك، تدفعني إلى السكوت، فهي كلمات خالدة تنير ظلمتي، لطالما قرأتها مرارًا في حال وحدتي، لكني اليوم لا أعلم أكانت لي أم لغيري، لكنها دفعتني لأكتب إليك، فكانت الرسالة قطعة من القلب، كانت أحد لحظات أكفان الخلود الصغيرة.
أتسال عن سر الحكمة وعمق الحروف، فهي ليست من تجرع كأس السقم، بل إن الآلام مولدها، والأوجاع موطنها، والحب مُحييها.
من يحب لا ينظر لأسىى يومه وجراح فؤاده في وجود قلب كان له وطن، القلوب المحترقة تتحدث من تحت رمادها لكنها لم تمت، هي باقية أبد الدهر؛ فهي تُروى بالأمل، تُطعم بالرضا، وحينما سقما كان طبيبها الحب.
لا أكره سوى التبرير؛ ليس هناك ظل إلا لمن له وزن، لكل شيء حقيقته لا ننكرها يا عزيزي، وحينما بررت لك حالتي حينها لم أقصد التعاطف قدر ما قصدت أن تعلم أنني لا تعبث بحزنك رغم حزني، لا أُنكر قوتك رغم ضعفك، تمنيت لو تسمعني رغم علمي الشديد بأنك لم تفعل، كم وعدًا قطعت ولم توفي؟ واليوم لا انتظر الوفاء بالعهد، ولا البحث عن الوطن تحت الرماد، انتظر فقط شفاء روحك، وكشف الغمة عن قلبك وعقلك.
ابقى بخير يا عزيزي، فالأيام الجميلة آتيه.
وطنك المحترق .

قد يعجبك ايضا
تعليقات