كتبت/ سالي جابر
الأدب هو رؤية أخرى الحياة، الإبداع من زاوية أخرى، تذوق كل ما يحويه الكون، هو حالة تبعث في النفس النشوة والصفاء، تلوح بك في الأفق تجعلك هائمًا في بحر من العشق، الصمت، الحزن، و البكاء… يمكنك من خلاله أن تبدع في وصف فراشة جميلة ذات أجنحة ملونة، مرفرفة بين الأشجار، يمكنك من خلاله أن تصعد إلى أعالي الجبال، وتهبط إلى أعماق البحار، هو حالة جميلة تأرجح مشاعرك ما بين شعر ببحوره ونغماته الجذلة، وبين مقالة تغير رؤيتك لكل شيء، ورسالة تتمنى لو أنت من تكتبها…
رواية أنت بطلها. تختزل يومك لعدد معين من الساعات تسكب فيها مشاعرك كلها بها، الأدب هو حديقة غَنَّاء له سحر وأنجم.
وتلك طبيعة فطرية وبالعودة للزمن الماضي لوجدنا العرب يلتفون حول المعلقات في أسواق عكاظ، وسمعنا عن القصيدة التي قتلت صاحبها… وهكذا
الأدب فن راق له هدف وغاية، لكنه شديد التعقيد، لا يمكن لشخص التظاهر بكونه أديب عكس باقي الفنون، ففي الغناء المطرب يستخدم محسنات صوتيه تتطابق مع صوته، ويختار أغنية ذات مقامات تتناسب معه، لم يكتشف جمال صوت المطرب إلا بالغناء دون ميكرفون، يمكنك أن ترتجل بالليل كلامًا تُعجب به، بينما عند بزوغ ضوء النهار تقطع الورقة وتنسى الأمر، الأدب إحساس وعلى الكاتب أن يمتلك الفكرة وإحساسها والكلمات التي تعبر عنها، المحسنات البديعية التي تضيف للنص جمالًا فوق جماله.
لكن وللأسف الشديد هناك البعض يكتبون ما يُمليه عليهم العقل، ما تحركه ريشة أقلامهم على السطور ثم يبحثون في المعجم عن كلمة لها نفس المعنى بصيغة أقوى، بموسيقى أفضل.
لا أرفض ذلك وكان الرافعي- عليه رحمة الله- يفعل هذا، لكنه الرافعي وليس غيره، فهو حينما يبحث عن معنى أو موسيقى فهو يُظهر جمال كلماته، أما من يفتقرون إلى الأدب فعندما يفعلون ذلك يُخرجون لنا نصوصًا تفتقر الحياة .
أما النقد فهو رؤية فنية تجعل الكاتب يُحسن من كتاباته، يبحث عن قيمة النص وجماله في عينيه أولًا، يسمع نصه بأذنه وقلبه قبل أن يعرضه على القارئ، النقد درجة وسطى بين الفلسفة والعلم والفن، يساعد الكاتب على معرفة نقاط قوته ونقاط ضعفه .
لكن لماذا يكون الناقد حاد كالسيف يقطع الكاتب بأصقل المعاني ليبرز أنه عميق؟
هل من حق الناقد أن يحطم صخرة الكتابة لشخص ما بكلمات لاذعة؟ هل من نضج عقلية الكاتب أن يدافع عن كتاباته لمن ينتقده أم يترك له السفينة تسير بلا ربان بعد أن ينتحر فيه الإحساس؟
الحق أن لكل كاتب ما يميزه، لكنه يود من نقاد واضحين مثقفين أن يعرضوا رؤيتهم بصورة ظاهرة، وليس لتضخيم الموقف بكلمات معقدة، هناك رؤية إيديولوجية، وفكرة سوسيولوجية، ودوافع دراماتيكية….
وكما قال د. جلال أمين:” هناك أدباء مزيفون يزعمون اتصالهم بربات الفنون لتحقيق مكاسب أخرى، ربما مكاسب مادية أو عضوية اتحاد الكتاب، أو …. البعض يفخر بلقب أديب وهو لا يفهم معناها بالمرة، ولم ينولها حقًا طالما لم يفهم معناها.
نحن الآن في عصور ضعف الأدب التي ينتصر فيها الغموض، لم أجد في كتابات أنيس منصور، يوسف السباعي، ويحى حقي هذا الغموض، كُتاب عظماء لهم تاريخ في الأدب لم يكونوا غامضين.
ونعود إلى النقاد قليلًا لنجد أنها أصبحت مجاملات- إلا من رحم ربي- هذا يشدو بكتابة ذاك، وذاك يشدو بقلم هذا وهو يعلم في قرارة نفسه أنه لا يستحق، تلك الدائرة لم تقودنا إلا إلى الغموض، وكما قال د. جلال أمين في هذه المواقف:” أنهم يبعدون عن الأضواء مبدعين حقيقيين كل ذنبهم أنهم لم يجرحوا أحدًا في كتاباتهم”.