القاهرية
العالم بين يديك

هل الأصل في الإنسان الشر أم الخير ؟

634

كتب الناقد الأدبي د/ عادل يوسف

هل الأصل في الإنسان الشر أم الخير ؟ رؤية نقدية في المجموعة القصصية( ساعي بريد دمشق) للكاتب إبراهيم عامر.
من الأسئلة الدينية والفلسفية المحيَرة التي شغلت بال الكثيرين هذا السؤال المثير للجدل وهو : هل الأصل في الإنسان الشر أم الخير؟
وقد اختلفت الإجابة عن هذا السؤال المحيَر وتنوعت إلى ثلاث إجابات هي:
الاتجاه الأول :الإنسان شرير بطبعه.
هذا الاتجاه يغلَب جانب الشر في طبع الإنسان عي الجانب الخيَر ؛ لأن الإنسان في رأيهم يرث ذنب آدم وحواء لأكلهما من الشجرة ويستشهدون بموقف الملائكة من خلق آدم بقوله تعالى: ” أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك” سورة البقرة.
ويؤكد هذا الرأي ما يحدث في العالم من شرور كالقتل والسرقة والتعذيب والاغتصاب والحروب والاحتلال وغير ذلك. فهذا الكم الهائل من الشرور يؤكد على نزوع الإنسان للشر.
الاتجاه الثاني: الحيادية.
يرى هذا الاتجاه أن الإنسان يولد صفحة بيضاء لا يعرف الخير ولا الشر وأن البيئة المحيطة به هي التي تشكل سلوكه تجاه الأخرين وتدفعه إما للخير أو إما للشر، لكن هذا الاتجاه يغفل دور الفطرة التي فطر الله الناس عليها وهي الأخلاق الفاضلة.
الاتجاه الثالث : الإنسان خير بطبعه.
يرى هذا التيار أن الإنسان خير بطبعه وأن الشر طارئ عليه وليس متأصلا فيه وأن الخير كامن ومتأصل في روح الإنسان ولكن لكي يفعل الخير يحتاج إالى مجاهدة النفس التي تأمر بالسوء والشهوات والدليل على ذلك قوله تعالى : ” ولقد خلقتا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا ..” سورة التين.
ولهذا نرى أن الإنسان مخلوق على الخير وعليه كبح جماح نوازع الشر ليصل إلى أعلى الدرجات.
ويطل علينا الكاتب الموهوب إبراهيم عامر بمجموعته القصصية الأولى
( ساعي بريد دمشق) حيث يؤكد لنا أن الإنسان خير بطبعه وأن الشر طارئ عليه وليس متأصلا فيه .
ففي قصة ( اللعبة) يحدثنا الكاتب عن الأب الذي يعمل سجانا ويلعب مع ابنه هذه اللعبة الغريبة حيث يقوم الأب بربط ذراعي ابنه ربطا محكما بواسطة حبل غليظ ثم يقوم الأب بضرب ابنه على صدغيه ضربا عنيفا والابن يتألم ويصرخ من شدة الألم، ولكن الأب كان في غاية السعادة والفرح من هذا الفعل.
ثم يعاود الأب اللعب مع ابنه بلعبة أخرى أشد قسوة حيث يقوم بتقييد ساقي ابنه ثم رفعهما إلى أعلى ثم يتناول الأب ( خرزانة) طويلة ويضرب ابنه حتى تتورم قدماه .
وتصل اللعبة إلى أشد درجات الوحشية حين يقوم الأب بربط ابنه حتى يصبح كالمصلوب ثم يتناول سوطا ويضربه حتى يتشقق ظهره ويتفجر الدم منه ويصرخ الابن من شدة الألم حتى يقع مغشيا عليه.
هنا نتساءل إذا كان الإنسان خير ورحيم بطبعه فما السر وراء هذه القسوة والوحشية تجاه الابن ؟!
أقول رغم كل ذلك أن الخير هو الأصل وأن الشر ليس متأصلا فيه وإنما هو شيء طارئ عليه، وربما يرجع السبب في ذلك إلى كثرة تعامل السجان مع المجرمين والقتلة وأعداء الوطن، جعله يتصف بالشدة والقسوة ، أو أنه أراد أن يعلم ابنه الصبر والجلد والتحمل ، وأكبر دليل على أن الأصل هو الخير أن السجان قد انتحر في نهاية القصة، ربما لأنه أحس بشعور الضحية.
وبالمرور على قصة ( البلوفر) نجد أن الكاتب يجسد لنا مشاعر الرحمة والشفقة التي أحاطت بالابن تجاه أبيه الفقير المريض.
فالابن يتلهف على شراء (بلوفر) جديد شاهده في أحد المحلات ويتمنى كثيرا أن يرتدي ( البلوفر) ويلح على أبيه لكي يشتريه له ، والأب يقسم أنه سوف يشتري (البلوفر) إول الشهر عندما يأخذ راتبه .
ويأتي أول الشهر ويأخذ الأب راتبه ويرجع إلى البيت دون يشتري (البلوفر) فيذهب الابن إلى حجرة أبيه ليعاتبه، ولكنه يجد أباه نحيفا كأنه عود القصب ، وعيناه بارزتان مليئة بالذل والانكسار والطيبة ، ويرى أباه مرتديا جلبابا أبيض ولكنه ممزق .
وعندما أراد الأب النوم سمع صوت أبيه وهو يتألم من شدة الألم في ظهره والذي يعاني منه عدة أشهر ،ولكنه لا يجد ثمن الدواء ليعالج ظهره حتى أصبح الأب كأنه عجوز هرم.
ثم يفتح الأب محفظته ويخرج النقود ويعطيها لابنه ليشترى (البلوفر) ، هنا يصرخ الابن رافضا شراء (البلوفر) الذي كان يحلم بشرائه ويلح على شرائه.
وهنا نتساءل ما الذي منع الابن من شراء (البلوفر) الذي كان يصر على شرائه؟!
أقول : إنها عاطفة الرحمة والشفقة والإيثار على الأب ، هنا ينتصر الخير على الشر، ينتصر الإيثار على الأنانية ، الرحمة على القسوة.
وعندما نتأمل قصة (عطر رخيص) نجد أن الكاتب يوضح لنا أن الشر والرذيلة شيء طارئ على الإنسان ، وأن الظروف القاسية قد تضطر الإنسان على ارتكاب الرذيلة .
حيث نجد (فتاة ليل) عبارة عن امرأة سمراء ذات جسد ضئيل تضع عطرا رخيصا تقف عند إشارة المرور وتبتسم ابتسامة مصطنعة لكي تمارس الرذيلة مع أحد الزبائن، وقد اضطرت لفعل ذلك؛ لأنها لا تجد ثمن الغسيل الكلوى.
وبالوقوف على قصة (ساعي بريد دمشق) والتي تحمل اسم المجموعة القصصية ، هذه القصة المحزنة والمؤسفة .
فالأخت السورية تدعي أن أخاها يرسل خطابات لأمه لكي يطمئنها عليه ويوضح لها أن الأمور بدأت تهدأ في سوريا ، وأنه بعيد عن خطوط القتال
وعن أي خطر ، ولكن الحقيقة أن أخاها قد استشهد في إحدى المعارك في سوريا ، ولم تستطع الابنة أن تخبر ابنها بهذا الخبر؛ لأن امها فقدت بصرها عندما اختفت أخبار ابنها ، فكيف الحال لو علمت الأم بموت ابنها
إن الابنة أرادت أن تحافظ على أمها وأخيها الصغير ونفسها بأن تدعي أن أخاها على قيد الحياة ، وأنه يرسل كل فترة هذه الخطابات ؟
وهكذا يتبين لنا أن الإنسان مخلوق على الخير وعلى العطف والشفقة ، وأن النزوع إلى الشر ليس أصلا فيه وأنه يجب عليه مجاهدة نفسه حتى يظل على الخير والفطرة.

قد يعجبك ايضا
تعليقات