كتب الناقد الأدبي د/عادل يوسف.
كيد النساء ، وقهر الرجال سلاحان عظيمان يحارب به كل منهما الأخر ، من أجل السيطرة والانتصار .
فالمرأة بطبيعتها تميل إلى النعومة والرقة لذلك كان سلاحها هو الكيد أي المكر والحيلة والفطنة والذكاء .
أما الرجل فهو محب للسطوة والقوة والسيطرة لذلك كان سلاحه القهر وهو الغلبة والجبروت والتسلط والإذلال والإهانة ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعوذ من القهر فيقول ( اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال).
فقهر الرجال أشد إيلاما وتأثيرا على الإنسان من كيد المرأة.
وقهر الرجل للمرأة له آثار خطيرة حيث تتحول المرأة المقهورة إلى شبح مخيف بل إاى كارثة وذلك من خلال المراحل الآتية:
المرحلة الأولى : المرأة المكتئبة.
تتحول المرأة المقهورة في هذه المرحلة إلى امرأة مكتبئة مهمومة وقد تحاول إصلاح زوجها.
المرحلة الثانية: المرأة الشرسة.
هنا تتحول المرأة المكتئبة إلى امرأة حادة الطبع وتسعى إلى العقاب والأخذ بالثأر من زوجها المتجبر.
المرحلة الثالثة: المرأة المتجاهلة.
تتحول شخصية المرأة المقهورة إلى امرأة متجاهلة لكل شئون زوجها وتلجأ إلى نكوين علاقات جديدة ( الشلة).
المرحلة الرابعة: الهجران.
في هذه المرحلة تصل الزوجة المقهورة إلى طريق مسدود في حياتها وتشعر بالإحباط واليأس من زوجها.
لذلك ننصح الزوج بتجنب قهر زوجته تحت أي مسمى فهي الشريكة الأولى في حياته ويجب أن يلبي كل احتياجاتها بقدر الاستطاعة.
وقد تناولت الكاتبة رانية المهدي في مجموعتها القصصية( ثُمن شاي) أشكال عديدة من العنف والقهر ضد المرأة في ريف مصر وصعيدها.
في قصة ( المعجنة) تناولت الكاتبة أشكال عديدة من العنف والقهر ضد المرأة مثل (العنف الجسدي) وذلك من خلال: الإساءة الموجة لجسد المرأة ، والاعتماد عليها في العمل .
و(القهر النفسي ) وذلك من خلال : إحراجها أمام الأخرين ، وإهانتها ، وتجاهلها ، وإهمال مشاعرها ، وتهديدها دائما بطلاقها والزواج عليها ، وتخويفها ، والسب والشتم ،(والقهر الاقتصادي) ضد المرأة من خلال الاستيلاء على أموالها ومدخراتها وكل ما تملك.
ففي قصة ( المعجنة) تتزوج البطلة من زوج اتكالي أناني ينفض يديه من كل شئ ويعتمد على زوجته ويستغل أموالها وتعبها ومجهودها لنفسه .
كان حلم بطلة القصة أن تعيش هي وأطفالها حياة كريمة عادلة بعيدة عن الفقر لذلك أرادت أن تحارب الفقر وتشتري دارا واسعة ذات فناء كبير يلعب فيها الأطفال على راحتهم ، وتضع فيها حظيرة كبيرة لتربي فيها الأغنام والطيور ، وتشتري بقرة لتشرب من لبنها وتصنع من الجبن والسمن .
كل هذه الأحلام الجميلة كانت تملأ رأس هذه الزوجة حتى جاء اليوم الموعود واشترت دارا مناسبة لذلك وباعت حلقها وكردانها لشرائها ولم يساعدها زوجها بقرش واحد من ثُمن هذه الدار. وقامت بدور عمال البناء وهذا الدور يخالف طبيعة المرأة الناعمة فهو يحتاج إلى عضلات وقوة وخشونة .
فكانت تذهب إلى الترعة بمفردها وتقطع الطين بنفسها من الترعة وتحمله على رأسها ثم تضعه في الماجور وزوجها يشاهدها ويكسر من مجاديفها.
وصنعت بجهدها قوالب الطين ورصتها في الشمس لتمتص الحرارة وتتحول إلى قوالب طوب ، ورصت الطوب ورصت معه أحلامها وقامت ببناء الدار وأوشك الحلم أن يكون حقيقة.
لكن زوجها يتهمها بالأنانية والطمع ويستولي على مجهودها وتعبها وأموالها في بناء الدار ويهددها بالطلاق ثم يتزوج من ابنة خالته لتعيش في هذه الدار الجديدة.
وفي قصة (ثُمن شاي) نجد شكل خطير من القهر وهو زواج القاصرات والعنف الجسدي مثل الضرب واللطم ، ولوي الذراع، واستخدام الآلات الحادة .
حيث يقوم الأب بتزويج ابنته تلك الفتاة الصغيرة التي لم تتجاوز الأحد عشر ربيعا وهي ما تزال تلعب في الطين مع العيال ، وتأتي أمها وتمسك بها وتنهال عليها باللكمات والضربات على جسدها الصغير ، والفتاة الصغيرة لا تفهم سبب هذا الضرب المبرح ، لتصبح أما وزوجة ولديها مسئوليات كبيرة وهي ما زالت صغيرة.
ومرورا بقصة ( التبيعة) نجد العنف اللفظي، والقهر النفسي، والاجتماعي ، والإذلال والإهانة ، والإحراج، والتهميش،والنقد المستمر،وإهمال المشاعر ،وجعلها تشعر بأنها مصدر الشؤم والنحس على زوجها ، وذلك من خلال السخرية من لقب المرأة المطلقة وتسميتها بــ( خَرْج بيت) وتضطر هذه المرأة المطلقة، لكي تتجنب هذا القهر أن تتزوج من رجل لا تحبه كبير السن، فقير الحال، صاحب حمل ثقيل ، وتنجب أنثى مثلها .
وكانت حماتها ترى أن هذه المولودة ما هي إلا خيبة أمل لها ، وأنها عار عليها ، وتموت هذه المولودة ولم تتجاوز السبعة أيام لتهرب من هذا العالم البغيض ، ثم تطلق حماتها لقبا جديدا عليها هو لقب ( شؤم) بسبب موت ابنتها.
وبالوقوف على قصة ( سبعة في سبعة) نجد أن الكاتبة رانية المهدي جسدت لنا في هذه القصة أبشع أشكال العنف والقهر ضد المرأة.
فمنذ ولادتها وطلتها على الحياة نجد النعنف والقهر النفسي والاجتماعي موجه إليها من خلال اعتقاد الأب أن هذه المولودة الجديدة عار جديد عليه ، ووقوف الأب منكس الرأس، وإحساسه بأنه مسكين مكسور الظهر بلا سند لأنه أنجب أنثى.
فهي العرض المكشوف الذي يخشى الجميع أن يأتي بالفضيحة إليه ، وهي تلك الفتاة التي ولدت في زمن يحتقر النساء.
ونجد العنف النفسي واضحا جدا في الشتيمة الموجهة إليها ، والنظرات المخيفة ، والصوت المرتفع ، وأنها شؤم ونحس ، والتخويف والإهانة كل ذلك ظاهرا من خلال قول الجدة لهذه الفتاة الصغيرة: ” الله يحرقها بجاز وسخ ، مش عايزين عار، دي هتلاقي مين يبص لها ،القرعة السودة ، اللي شبه قعر الحلة .
ونلاحظ أيضا في قصة ( سبعة في سبعة) العنف والقهر الصادر من الأب والأم من خلال إجبار ابنته الصغيرة التي لم تتجاوز اثني عشر عاما بالزواج من رجل كبير في السن حيث قرر أن يذبحها قبل أن يخرج من الحياة ، وكان هذا الرجل يضربها لأتفه الأسباب باللكمات حتى كادت أن تموت في يده.
كما نجد في هذه القصة ( سبعة في سبعة) أشد أنواع العنف الجسدي وهو (الختان) حيث استخدمت جدتها آلة حادة وباعدت بين أقدامها بقوة لتشل حركتها لكي تقوم بقطع جزء منها بلا رحمة أو شفقة.