كتبت/ سالي جابر
لم يدفع لنا أحد الفواتير التي لم نقم بسدادها، تلك الفواتير التي لا رسوم إضافية لها إلا بعد الإدراك، عندما تدرك أنك وحدك من أخطأت، وأنت وحدك من يتحمل قرارته، وأنت فقط من عليه السداد.
الفاتورة الأولى: كانت بعد إدراكات متعددة، وكان الإدراك الأول حينما علمت أن وجباتي الغذائية هي صحتي ومتنفسي وعملي، هي إنجازي ونجاحي وفشلي، قصت لي صديقتي أنها تحب تناول الحلوى وكلما شعرت بالحزن تناولت السكريات، حينما غضبت أشبعت معدتها حلوى، كلما مرت بمشكلة لم تقم بحلها إلا بعد قسط وفير من الحلوى…إلى أن هرب منها تاج رأسها ( صحتها) وباتت لم تفكر سوى بالشفاء، وأرجعت كل ما يعرقل مسيرتها بالمرض.
أدركت أنها كلما مرت بضائقة أرجعت سببها لعلة هي في ذاتها علة وليست السبب. لم تخبر نفسها قط أنها لم تفكر في الحل، كانت تدور في حلقة مفرغة من الأسى والخوف، لا تفعل شيء سوى الإنكار ثم النكوص ثم فقدان الأمل.
كان الإدراك الأول شديد الصعوبة ومن ثَمَّ قررت دفع الفاتورة الأولى.
أما الإدراك الثاتي: كان بعد مليء فراغ اليوم، كان اليوم ينتهي دون عمل ناجح أو جهد او تميز، حينما أدركت معنى أن ما يمضي من العمر يذهب جفاء، وكل يوم هو قصة نجاح جديدة، تحدي جديد، أضحى الخروج من حلقة الألم صعب، لكنه ممكن، قالت: أنني أحببت هذا الفنجان كثيرًا، وأبدأ يومي به ممتليء بالقهوة مع أنغام الموسيقى، ربطت سعادتها ببداية اليوم، أستيقظت ثم أرتشفت قهوتها على مهل، وتركت العالم حولها، وقالت الحياة تبدأ بعد فنحان القهوة، سرحت قليلًا ثم هبطت دموعها بمظلة كبيرة على وجنتيها، كانت تهبط ببطء وكأنها متعثرة على خطى الحياة، وضعت الفنجان في الفراغ؛ فتسارعت الدموع وكأنها سحابة باكية في ليلة من ليالي ديسمبر الممطرة، أرتعشت يداها، وبدا اليوم عابسًا، وبعد قليل من الوقت فهمت أنها ليست سعيدة ولا تعلم لماذا. هل لكسر فنجانها، أم لأنها ربطت سعادتها بالفراغ؟!
أدركت أن السعادة ممكنة، متاحة، ظاهرة…لكن البحث عنها يتطلب مجهودًا، وهي لم تحفظ مجهودها إلا للسراب.
السير في الصحراء ليس مؤلمًا، طالما هناك مايكفي من المؤن الغذائية، وقدرًا كافيًا من المياة، ومظلة تحميك حرارة الشمس وحرارة الوحدة.
المطر لم يكن سدًا لبهجة اليوم، طالما لديك شريك حبيب، قريب، يشاركك لحظاتك الجميلة، ولن يتركك.
هكذا الحياة فواتير، متناقضات، بكاء، سعادة، وحدة، تجمعات، وعلينا فقط السعى لدفع فواتيرها حتى لا تزدود قيمتها ونتعثر في الدفع.
وقال في هذا قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لرجلٍ وهو يَعِظُه: اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك.
رواه: عبدالله ابن عباس، أخرجه: ابن الي الدنيا، صححه: الألباني