بقلم/ سالي جابر
هل لنا أن نلتقي مجددًا يا عزيزي! نلتقي في عالمٍ آخر، نسكن به الجنة، عالم مشربه الكوثر، أنهار من عسل مصفى لذةٌ للشاربين، وطعامه ما لذ وطاب، لا نخاف به شيء، فأنا في هذا العالم المزيف أحتاج ضمة حنان منك، أن أرتمي بين ذراعيك وأبكي، كثيرًا ما كنت أجلس أمام قبرك يا أبي وأقص عليك حالي، وأنتظر ردك الذي لم يأتِ بعد، حتى في أحلامي تنظر لي دون أن تتفوه شفاهك بكلمة.
يا أبي أنت هنا في قلبي وإن زادت المسافة بيننا.
في رحلة الحياة تعلمت أن الموت هو الحقيقة الواحدة، وكلنا نتساوى، ولن يأخذ حظنا غيرنا. تعلمت أن الموت إن لم يمد الحي بالقوة فسوف يُدهس تحت عجلات الحياة، أدركت أن من يفهم الحياة جيدًا لا يحزن كثيرًا، فإن الحزن سنة كونية لكن كثيرها مرض، وقليلها مرض، إن لم نحزن يا أبي سوف نبكي على مرارة القهوة، وإن كنا دائمًا في حزن سيتركنا الجميع، أحببت الحياة بقسوتها؛ فقد علمتني معنى القوة، متى نلتقي يا أبي! لأحكي لك عن أيامي بعدك، عن فترات نهاري دون حديثنا، عن صوت البنا مع كوب الشاي داخل شرفة بيتنا الذي افتقدته.
كنت أود أن أحكي لك عن غرائب ما قرات في الكتب، قرأت أن حرب اكتوبر 1973 كان للمصريين خسائر أكثر. ونحن لم نسترجع إلا القليل من أرضنا، قرأت عن حقيقة النمرود، عرفت معنى الأساطير… أتتذكر حينما كنا نجلس ونحكي ما قرأنا، نحكي، نضحك، وأنا بالطبع مجادلة من الطراز الأول…
تغيرت الدنيا كثيرًا يا أبي، التكنولوجيا صنعت لنا ما يعرف بالذكاء الاصطناعي، وتخيلت صورتك تحكي معي، فدمعت عيني وأخافتني الفكرة.
بالماضي كنا نجلس على طبلية واحدة لتناول الطعام ونحن نشاهد حلقات المسلسل، رغم بساطة تلك الأيام إلا أنها كانت ممتعة. اليوم أفراد البيت الواحد لا يتقابلون إلا عندما تقطع وصلة النت.
حبيبي أنت شمس غابت عن دنيانا، ولكنني واثقة من أننا سنلتقي، وحينها لم أجد على كاهلي ثِقل، سوف أجد حضنك وحبك.
اشتقت إليك كثيرًا…كثيرًا.