القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الحرابة وعلاقتها بالإرهاب

435

كتب _د/ هشام عبد الله
إن مصطلح الإرهاب مصطلح معاصر، يرتبط بالتفزيع، والتخويف، والقتل، والتفجير، والتخريب، وهو من أخطر الجرائم؛ لأن هدفه الإفساد في الأرض.
ويمكن تعريف الإرهاب بأنه: (جريمة يقصد منها إحداث الخوف والذعر في النفوس، وخلق الاضطرابات والفوضى في البلاد؛ لغايات قد تكون سياسية أو اجتماعية أو دينية أو اقتصادية أو غير ذلك).
العلاقة بين الحرابة والإرهاب:
يتضح من تعريـف الحرابة والإرهـاب، أن الإرهاب نوع من أخطر أنواع الحرابة، بـل إن صرح بعض الفقهاء بلفظ الإرهاب صراحة عند تعريف الحرابة، حيث قال في تعريفها أنها: “البروز لأخذ مال أو لقتـل أو إرهـاب مكـابرة ً اعتمـادا على الشوكة مع البعد عن الغوث”.
والفقهــاء جميعــا متفقـون علــى أن الخـروج لمجـرد إرهـاب النــاس وتخـويفهم مجـاهرة ومكـابرة ينطبــق عليـه حـد الحرابـة، فمـا بالنـا إذا اقترنـت الأعمـال الإرهابية بالقتـل والتخريـب، ونشر الفوضى، وخيانة الوطن، والتـدمير والإفسـاد فـي الأرض، بل إن الإرهاب يجمع بين عدة جرائم هي: الحرابة بكل صورها، والبغي، والخروج على ولاة الأمور.
عقوبة الإرهاب:
الشريعة الإسـلامية تحـرم الإرهـاب، وتوجـب حـد الحرابـة علـى مرتكبيـه، وتعتبـرهم سـاعين فـي الأرض بالفسـاد، فـتغلظ علـيهم العقوبـة للقضـاء علـيهم؛ حتـى يـأمن النـاس شـرهم، وتستقر حياتهم ويعيشون في أمن وأمان.
نموذج للتصدي لخطر الإرهاب: (العملية الشاملة سيناء 2018م)
لقد قامت القوات المسلحة المصرية الباسلة بالتصدي للإرهاب على مدار السنين، وخاصة ما حدث من التصدي للإرهاب في سيناء في العملية الشاملة التي بدأت في عام 2018م، مما يدل على مدى وعي القيادة السياسية الحاكمة لخطر الإرهاب، ليس على مصر وحدها بل على الأمة الإسلامية، بل على العالم بأسره، وما جاء في بيان المتحدث العسكري من إحصائيات أكبر دليل على خطورة الإرهاب، وأنه أشد أنواع الحرابة خطرًا؛ ولذلك فإنه يستحق أشد أنواع العقوبة فيها، بل يستحق أشدها مجتمعة. وأبرز مستجدات الموقف منذ بدء العملية الشاملة (سيناء 2018)، والتي تتخلص حتى الآن في تدمير كافة الأماكن والبؤر الإرهابية المكتشفة بواسطة القوات الجوية، والقضاء على الإرهابيين التكفيريين، والقبض على كثير من العناصر الإجرامية المطلوبة جنائياً أو المشتبه في دعمهم للعناصر التكفيرية، وتم الإفراج عن عدد كبير منهم بعد اتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم، وثبوت عدم تورطهم في أي قضايا، كذلك تدمير أوكار ومخازن العناصر الإرهابية، واكتشاف وتدمير مراكزهم الإعلامية و مركز إرسال كانت تستخدمها العناصر التكفيرية، واكتشاف وتدمير كثير من العبوات الناسفة وكميات كبيرة من مادة c4 ومادة TNT والأسلحة والذخائر مختلفة الأعيرة، وتدمير 5 فتحات نفق بواسطة قوات حرس الحدود والمهندسين العسكريين، إلى جانب اكتشاف وضبط وتدمير 157 سيارة و387 دراجة نارية خاصة بالعناصر التكفيرية، كذلك 41 عربة دفع رباعي محملة بالأسلحة والذخائر، وضبط 129 بندقية خرطوش و 461 فردا أثناء محاولات التسلل والهجرة غير الشرعية، وذلك بالتوازي مع ملاحقة العناصر العاملة في مجال زراعة وتهريب المواد المخدرة وقد تم تدمير 116 مزرعة لنبات البانجو وضبط حوالى 51٫6 طن من المواد المخدرة و2 مليون و150 ألف قرص مخدر.
وأكد المتحدث العسكري التزام القوات بالحفاظ على القواعد والضوابط والمعايير الخاصة بحقوق الإنسان، وتوفير الحماية الكاملة للمدنيين من أبناء شعب مصر العظيم فى كافة المناطق التي تشهد عمليات مداهمات أمنية، والالتزام الدقيق بقواعد الاشتباك المعمول بها دولياً، مع استمرار القوات المسلحة في توفير الحصص التموينية لأهالي أرض الفيروز بمناطق العمليات، وفتح منافذ للخدمة الوطنية بالإضافة إلى قيام محافظة شمال سيناء بالتنسيق مع وزارة التموين بتوفير الخضراوات والسلع التموينية اللازمة لأهالي شمال سيناء.
خطورة الحرابة والإرهاب:
من خلال ما سبق يتبين أن الحرابة والإرهاب جريمة من أخطر الجرائم التي تهدد الناس في المجتمع الإنساني، على المستويين الداخلي والخارجي، والتي يكون من نتائجها إزهاق أرواح بريئة، ضياع الأموال والثروات، وفيها خطورة شديدة على الناس في حياتهم، والإرهاب كما مرّ يعد أخطر أنواع الحرابة، حيث إنه يحمل في طياته الكره والبغض والعداء، ويفسد في الأرض بكل صور الإفساد، وتكمن خطورة الإرهاب أحيانًا في أن الإرهابي ربما يكون نتيجة فكر ضال، كالفكر التكفيري، وفكر الخوارج، حيث إن من وراء هذا النوع من أنواع الإرهاب يكون قد قام بعملية أشبه – إن صحّ التعبير- بغسيل المخّ، حيث يكون في النهاية هذا الإرهابي الآثم عنده قناعة داخلية بأن ما يفعله جهاد في سبيل الله، وأنه إن مات مات شهيدًا – بزعمه- نتيجة الأفكار التي تنشأ وتربى عليها، والتي تبدأ مع الجماعات المنحرفة التي يعيش أفرادها بين الناس، وربما كان وراء ذلك كله جهات خارجية تقوم بإمداد هذه الجماعات المنحرفة بالمال وبكل ما تحتاج إليه، بغرض ضرب الأوطان وتدميرها بيد بعض أبنائها ممن قد تمّ إقناعهم بأفكار ضالة هدّامة، لا تمت إلى الدين بشيء، ومن هنا تأتي الخطورة؛ لأن الخطر هاهنا داخلي وضع الله العقوبات المناسبة لها قاصدًا من ورائها حماية الناس، واستقرار المجتمع من الفوضى، والظلم، والفساد والإفساد….
ومن خطورة الحرابة والإرهاب في الوقت الحاضر ما يحدث في كثير من المجتمعات الإسلامية من ترهيب الناس، وتخريب بيوتهم، وسلب أموالهم، وإزهاق أرواحهم.
إن المتأمل في مقاصد الشريعة الإسلامية يعلم أنها جاءت لتحقيق المقاصد الخمس الضرورية وهي: حفظ (الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال)، وحرّم كل اعتداء عليها، وضمن حفظها من جهة الوجود والعدم، والإرهاب جريمة تعتدي على كل هذه الضروريات؛ فأصبحت الأمّة في أمس الحاجة لمعرفة مقاصد الشريعة الإسلامية، مما يساعد على تصحيح الأفكار الخاطئة، وتربية أبناء الأمة على وسطية الإسلام، بعيدًا عن الإفراط أو التفريط، مما يسهم بدرجة كبيرة في التصدي للإرهاب الفكري، الذي يحصل بسبب بُعْدِ أصحابه عن فهم الشريعة ومقاصدها، والذي لا يقلّ خطرًا عن الإرهاب الظاهري الملموس، بل هو أصله، حيث يكون نتاجًا له، فوجب التصدي له، ولأصحابه ممن ليس عندهم تعمق في دراسة الشريعة، ولا معرفة بأصولها، ولا دراية بمقاصدها، فيفسدوا ويخربوا ويروِّعوا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ويُظْهِرون الحنيفية السمحة في صورة معكوسة، في صورة تخويف، وهي مصدر الأمن الأكبر، وفي صورة عنف، وهي شريعة السلام والإسلام، وهي الرحمة التي جاء بها نبي الرحمة المبعوث رحمة للعالمين.
لذا يجب التصدي لهذا النوع الخطير من أنواع الإرهاب لنقتلع هذا الدّاء من جذوره، لأن مثل هذه الأفكار الهدامة تعدُّ أصلَ المرضِ العضال الذي ظهرت أعراضه في صورة مادية ملموسة، لنكون كالطبيب الماهر الذي يبحث عن أصل المرض فيعالجه، ولا يهتم فقط بمعالجة العرض.
إذن فإن تطبيق حد الحرابة على المحاربين وقطاع الطرق والإرهابيين يحفظ ما جاءت الشريعة لحفظه، فيؤدي ذلك إلى حفظ الضروريات الخمس: (الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال)، فالإرهاب يعد من أخطر أنواع الحرابة، لذلك يجب التصدي له من الحكومات والشعوب، ويجب مقاومته عسكريًا وفكريًا، ويجب تطبيق أشد عقوبات الحرابة على الإرهابيين.

قد يعجبك ايضا
تعليقات