القاهرية
العالم بين يديك

الاحتراق النفسي

206

كتب-د.حسام حسان

 

الزمان: منتصف الليل ربيع 2014

المكان: احدى مستشفيات العامة المصرية

الحدث: سيدة من أهل النوبة تدخل غرفة الطوارئ بالمستشفي ومعها ثلاث فتيات في سن الشباب، يكتشف طبيب الطوارئ أنها تعاني من انخفاض حاد بمعدل ضربات القلب، وتناقص شديد في نسبة الاكسجين بالدم، وهي في احتياج لتلقي صدمات كهربائية على الفور لتنشيط عضلة القلب، بالاضافة لاحتياجها أيضاً لجهاز التنفس الصناعي.

طلب طبيب الطوارئ من السيدة التوجه علي الفور للعناية المركزة فالوضع خطير ولا يحتمل أي تأخير.

دخلت السيدة العناية المركزة بمساعدة الفتيات الثلاثة اللائي، أصبحن في حالة ذعر شديد وبدأن يسألن عن طبيب العناية الذي كان نائماً وأغلق باب غرفته من الداخل.

تدق الفتيات على باب الغرفة بهستريا شديدة، الطبيب يخرج منزعجاً متحدثاً بعصبية شديدة طالباً من التمريض احضار السماعة، وضع الطبيب السماعة على صدر المريضة ثم تثاءب ووجه حديثه للتمريض قائلاً : الست دي هتموت بعد نص ساعة، مع العلم أن السيدة تسمع كل ما يدور حولها وليست في غيبوبة.

دخل الطبيب حجرته واغلق علي نفسة من الداخل، الهرج يسود المكان والاصوات ترتفع والشتائم تتطاير، مجموعة من الرجال يقتحمون العناية لتحطيم الاجهزة مطالبين برأس الطبيب، التمريض في حالة ارتباك شديد، وفي النهاية تدخل الامن ومعه أفراد من الشرطة وتم اخلاء المكان.

بدأ التمريض في عمل الصدمات الكهربائية للمريضة، كما قام يتركيب جهاز التنفس الصناعي، وبدأ الجهاز في العمل واصدار اجراسه، عاشت السيدة حتى الصباح وتم نقلها في سيارة اسعاف مجهزة لأحد المستشفيات الخاصة، السيدة لاتزال على قيد الحياة إلي الآن.

وكما تعودنا وضع اللقطات الحياتية تحت منظار التحليل النفسي يتبادر إلي الاذهان السؤال التالي:

لماذا قام الطبيب بهذا الفعل؟

هل يتلخص الموضوع في قلة الضمير، أم عدم توفير حياة كريمة للطبيب الذي يشعر بالظلم وبالتالي فهو يعطي للمرضي علي قدر اموالهم، أم ضعف الامكانات المادية للمستشفي.

قد يكون كل ما سبق من أسباب الواقعة، ولكنه ليس السبب النفسي الذي نبحث عنه، فهذا الطبيب يعاني مما يسمى اضطراب الاحتراق النفسي(Burned out) وهو اضطراب يحدث عادة للاشخاص الذين يتعاملون مع الجماهير ويتعرضون لكم كبير من الضغوط والاحباطات التي تفوق قدرتهم.

وتتمثل أعراض الاحتراق النفسي في الركود الذهني، والتبلد العاطفي والتهيج الانفعالي، مع احساس الشخص أن الجماهير التي تطلب الخدمة (مرضي –تلاميذ – مواطنون في مكتب تموين…….) يمثلون عبئاً شديداً على أعصابه وبالتالي يتمني التخلص منهم.

وعلي هذا فالطبيب المذكور قد يكون محترق نفسياً لوجوده في العناية المركزة لفترات طويلة، وهو مكان تحدث به حالات الوفاه بصفة يومية، ومع الوقت يحدث تغيير في شخصية من يعملون به فلا تتعجب من تبلدهم العاطفي وبطء ردود أفعالهم خاصةً إن لم يكونوا مؤهلين من الاصل للعمل في هذا المكان .

وما نؤكد علية هنا هو إلزامية الكشف النفسي الدوري على الأفراد العاملين بمهن لديها احتكاك بالجمهور، وذلك لعزل المحترقين نفسياً وابعدهم عن هذه المهن التي تمثل عليهم ضغط نفسي لايستطيعون احتماله، مما يؤدي لاضطرابهم الشديد وتقصيرهم الأشد في حقوق من يتعاملون معهم، والأهم من ذلك التوصل لمدى صلاحيتهم النفسية للعمل الجماهيري من الأصل، وهو ما ستلقي عليه الضوء في مقالاتنا القادمة.

 

 

قد يعجبك ايضا
تعليقات