القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الحرابة وعلاقتها بجريمة الإرهاب

452

 

 

كتب_د. هشام عبد الله زكي

إن الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مصالح العباد في المعاش وفي المعاد، ومن أهم مقاصدها لتأكيد المفاهيم الإنسانية، حيث تهدف إلى وضع الحدود زواجر وجوابر، ومن هذه الحدود حدّ الحرابة لتنظيم تعامل المجتمع مع بعضهم البعض، ولنشر الإخاء، وروح التراحم، والألفة، والأمن، والسلام على الأرض، وفي المجتمع، ويرى الإسلام من خلال مفاهيمه أن وقوع أي انتهاك للحقوق الإنسانية يعني انتهاك لحقوق الشخص المسلم بصفة عامة، والمجتمع ككل، لذلك استلزم وجود الأحكام، والحدود من أجل حماية المجتمع من التخريب، والفوضى بأي شكل كان، ويشمل التصدي للحرابة الوقوف على صورها الحديثة كالإرهاب وما ينتج عنه من فساد وأضرار.

 

معنى الحرابة:

عرفها العلماء بتعريفات كثيرة، ولكن منهم من سماها حرابة؛ كالمالكية والشافعية، ومنهم من سماها قطع الطريق، كالحنفية، والحنابلة، وإن **كان التعريف **الأشمل، حيثق عرفوا المحارب بأنه: المكابر المخيف لأهل الطريق، المفسد في سبيل الأرض – سواء بسلاح، أو بلا سلاح أصلا- سواء ليلا، أو نهارا – في مصر، أو في فلاة –صحراء-، وكل من حارب المار، وأخاف السبيل بقتل نفس، أو أخذ مال، أو لجراحة، أو لانتهاك فرج”. وهذا التعريف هو المختار، لأن الإفساد في الأرض يكون في الداخل والخارج، والواقع يثبت وجود من يفسد في الأرض؛ فيقتل أو يخوف أو يفزع الناس، كما أن هذا التعريف يربط بين الحرابة والإرهاب، سواء كان الإفساد داخليًا أو خارجيًا؛ لشموله على جميع أنواع الإفساد، وذلك يفهم من عموم قوله تعالى: {إِنَّمَا ‌جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٞ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [المائدة: 33-34] .

إن تطبيق حد الحرابة على الذين يفسدون في أوطانهم وهم داخله أولى عقلاً قبل من هم خارج الديار؛ لأن الذي يعيش في وطنه يأكل من خيره، ويشرب من مائه، ويستظل بسمائه ثم بعد ذلك يخرب ويقتل ويفجر، كما هو مشاهد من هؤلاء الإرهابيين في عصرنا أولى بإقامة حد الحرابة عليه؛ لحرابته، وخيانته.

مع آية الحرابة:

قال تعالى: {‌إِنَّمَا ‌جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٞ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ** المائدة: ٣٣**.

أخبر الله أن جزاءهم ونكالهم -عند إقامة الحد عليهم- أن يفعل بهم واحد من هذه الأمور.

وإذا كان هذا شأن عظم هذه الجريمة، عُلِمَ أن تطهير الأرض من المفسدين، وتأمين السبل والطرق، عن القتل، وأخذ الأموال، وإخافة الناس، من أعظم الحسنات وأجل الطاعات، وأنه إصلاح في الأرض، كما أن ضده إفساد في الأرض.

وفي السنة: عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ق، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أنا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ، فَاسْتَوْخَمْنَا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ق بِذَوْدٍ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهَا فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ قوَاسْتَاقُوا الزَّوْدَ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ قفِي آثَارِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ، قَالَ قَتَادَةُ: ذَكَرَ لَنَا أَنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المائدة: 33].

عقوبات الحرابة في الفقه الإسلامي:

اتفق الفقهاء على وجوب عقوبة الحرابة، لكنهم اختلفوا في العقوبات المذكورة في الآية السابقة، في قوله تعالى: {‌ أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأرۡضِۚ… }، هل لكل نوع من أنواع الحرابة حدّ وعقوبة، وهل هي على ترتيبها، أم أن للإمام أن يختار أحدها على حسب ما يراه من المصلحة، **والراجح** أن الراجح الترتيب في العقوبات، حد المحاربين أو قطاع الطريق على الترتيب المذكور في الآية الكريمة السابق ذكرها؛ لأن الجزاء يجب أن يكون على قدر الجناية، ولقوة الأدلة التي استند إليها من قالوا به، إلا إذا اقتضت المصلحة من الإمام أن يغلظ العقوبة لأسباب ومصالح يراها فله ذلك.

 

يتبع،،،

قد يعجبك ايضا
تعليقات