القاهرية
العالم بين يديك

نعمة العقل

128

سامح بسيوني

وأنا أقرأ في سورة الأحزاب وعندما وصلت إلى الآية قبل الأخيرة وقفت متدبرًا متأملًا عند قوله تعالى (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا)

فقلت في نفسي ماهى تلك الأمانة التي شرف الإنسان بحملها دون غيره ولماذا أبت الأرض والسموات والجبال من حملها ؟
فرجعت إلى كتب التفاسير فعلمت بأنها نعمة العقل والتميز والإدراك، فبتلك النعمة مُيز الإنسان على غيره وسُخر له الكون بأثره خاضعًا له خادمٌا لإنسانيته.

وهنا أدركت الحقيقة بأن هناك فرق كبير بين العقل والمخ، فالمخ موجود في جميع الكائنات الحية حتى الحشرات ينمو بنموها؛ أما العقل فهو جوهرة ثمينة عرضت من قبل الله-عز وجل- على المخلوقات، ولكن المخلوقات كانت أكثر ذكاءّ من الإنسان لأنهم عرفوا بأنها أمانة ثقيلة تحتاج إلى كثير من الأوامر والبعد عن النواهي، وهذا الشيء لا طاقة لهم بهم فتركوها وفاز بها الإنسان ولكن وُصف بأنه ظلومُا جهولُا وهي صيغة مبالغة لكونه بالغ في أخذها لأنها في الظاهر حلوة خضرة ولكن في باطنها مليئة بالمشاق والمتاعب.

لذلك فالعقل هو التفكير في مخلوقات الله (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت)

فالإنسان الذي لا يفكر هو الجماد لا محالة فهو يشبه صخرة ألقت في أرض يباب.

عندما يفكر الإنسان فأنه يكتشف الغوامض وتنفك أمامه الصعوبات، ففي لحظة تفكير واحدة استطاع نيوتن أن يكتشف قانون الجاذبية فلم تستراعاه شكل التفاحة ومذاقها التي سقطت عليه، وإنما وقف أمامها متأملٌا.

وطرح عدة أسئلة على نفسه لماذا سقطت على مباشرة ولم تذهب ذات اليمين وذات الشمال ؟!

ففي تلك اللحظة أدرك قانون الجاذبية الأرضية وتخطى الإنسان حاجز الفضاء واستطاع الإنسان أن يعبر القارات في ساعات وبالأمس القريب كان يعبرها بالجمال أو سيرٌا على الأقدام.

وأصحاب العقول الناصعة وصفهم الله -عز وحل- بأنهم أولو الألباب لأنهم تفكروا في (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض)فهو تفكر بحث وعلم واستكشاف لحقائق غامضة فيحولون المستحيل إلى ممكن ويتواصلون إلى قدرة الله في خلقه(ربنا ما خلقت هذا باطلًا سبحانك فقنا عذاب النار)

فالعقل في الإسلام هو مناط التكليف بالأحكام الشرعية فبدونه تسقط تلك التكاليف؛ بسبب زوال عقله أو نومه أو اغمائه وغيرها من الأسباب التي ترفع تلك التكاليف.

فسرح الخيال لماذا تعطل العقل العربي عن التفكير والإبداع؟!

لماذا اصبحنا أمة مستهلكة وليست منتجة؟ لماذا صرنا مقلدين ولسنا مبتكرين ؟!
ألم يعي هذا الجيل العربي ؟!
بأنه خرج منه البيروني وابن ماجة وابن سينا وغيرهم الذين حولوا الظلام الى نور في حين كانت أوروبا نعيش فى عصور الظلام والجهل.

ألم يأن لنا أن نعود لسالفي دهرنا ونعيد اكتشاف أنفسنا ونستيقظ من هذا الثبات العميق؟!

واستيقظت من أحلامي على نسمات فجر جديد معلنُا الأمال والأمنيات في جبل يطمح في تفكير عميق لوحدة الصف العربي
فهل من أمل يأتي من بعيد.

قد يعجبك ايضا
تعليقات