القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

مدارس الفن التشكيلي بين الواقع والخيال

226

كتب/ أحمد حشيش
ما هي أبرز المدارس الفنية التي تُعنى بالفن التشكيلي؟ إنّ الحديث عن الفن التشكيلي له تفاصيل كثيرة؛ وذلك لأنّ تعريف هذا الفن واسع شامل لكثير من الأمور التي يمكن التحكّم بها حسب الذوق الفنيّ والحس الجماليّ لدى الفنان التشكيليّ، ولكن لا يُمكن لهذا الذوق الفنيّ لدى الفنان التشكيلي أن يكون اعتباطيًّا لا يَخضع لأعراف ومناهج يتمّ الاعتماد عليها في دراسة الأعمال الفنية وتذوقها، ومِن هنا نشأت فكرة مدارس الفن التشكيليّ التي تتبنّى مختلف أذواق الفنّانين ورؤاهم وأحاسيسهم، وقد ظهرت بادِئَ ذِي بَدْء في أوروبا، وبدأ بعدها الفنّانون العرب بِتبنّي آراء هذه المدارس كلٌّ حسب ما يعني ويُحب. فكانت المدرسة الواقعية والكلاسيكية والرمزية والوحشية والمستقبلية، ولعلّ هذه الأسماء ليست غريبة عن كل مطّلع على عالم الفنون، وكل مدرسة من هذه المدارس نظرت إلى الفن التشكيليّ بطريقة معينة، وأعطت الفنان التشكيلي دورًا ووظيفة لا بُدّ أن يُؤدّيها من خلال عمله الذي يقوم بإنتاجه، وكلّ فنان يختار المدرسة التي تتوافق مع العمل الذي يريد تقديمه، وممّا يجدر ذكره أنّه -وكما هو حال أيّ مذهب أو منهج أو اتّجاه في الفنّ أو في النّقد أو في الأدب- لهذه المدارس ما لها وعليها ما عليها.المدرسة الواقعية ما أبرز ما يميز المدرسة الواقعية؟ لم تختلف كلّ مدارس الفن التشكيلي على تعريفه في أنّه أخذ من الواقع مع إعادة صياغة وتشكيل، إنّما كان الاختلاف بطريقة التشكيل تلك؛ فالمدرسة الواقعيّة كانت تريد من الفنان التشكيليّ أن يكون موضوعيًّا فيما ينقل، بعيدًا ومُتجرّدًا من الذاتيّة والانطباعات الشخصيّة، ناقِلًا الواقع بموضوعيّة، كما أنّ المدرسة الواقعية وحسب رأي عز الدين إسماعيل تهتم بأن ينقل الفنان الواقع بدقة ووضوح، ويهتم بمعالجة قضايا ترتبط بهموم المجتمع ومشاكله، وعلى الفنان أن يقوم باقتراح الحلول والطرق المُؤدّية إليها. وبذلك يكون الفنان على اتّصال بالجمهور المُتلقي للعمل الذي يُقدمه، ومن أبرز أعلام المدرسة الواقعية الفنان الفرنسي كوربيه، والذي انطلق من الحياة الريفية، وصوّر في مجموعة من لوحاته طبقة الأغنياء في ذلك الزمن، وقد كان لكوربيه رأي عن إنتاج العمل الفنّي؛ وهو أنّه لا يمكنه أن يرسم ملاكًا لأنّه لم يره من قبل، فمهما تخيّل وابتعد بخياله لا يستطيع أن يأتي بصورة واقعية للملاك. المدرسة الكلاسيكية من أين نشأت جذور المدرسة الكلاسيكية؟ من المعروف عن لفظ كلاسيكيّ أنه يعني التقليد، والعودة إلى الجذور والأصول القديمة والحفاظ على التراث، ولكن في عالم الفن يذهب هذا اللفظ في منحى آخر؛ إذ يكونُ بمعنى الأفضل والأكثر جودةً وإتقانًا، وأكثر ما انتشرت مبادئ هذه المدرسة في اليونان؛ إذ نادت هذه المدرسة وأنصارها وأتباعها بأن تُقدَّم الأعمال الفنية بوضعيّات مثاليّة ونسب مثالية، فعندما يقومون بالنّحت مثلًا يَختارون الكمال الجسماني للرجل أو المرأة، فيظهر العمل الفنيّ وكأنه صورة حقيقية بالحجم نفسه والقياسات نفسها للإنسان الحقيقي.ولقد كان لهذه المدرسة قوانين صارمة في الفن التشكيلي، وكانت ترى أنّه ثمة مثل أعلى في الجمال يجب اتباعه ومحاولة محاكاته في الأعمال الفنية، مع المحافظة على قيم التوازن والتناسق والجمال والاعتدال، والانتباه إلى عدم المُغالاة في التعبير عن العواطف والمشاعر الذاتية للفنان، وممّا يجدر ذكره أن كبار الفنانين الذين ما زالت أسماؤهم تصدح في عالم الفن إلى يوم الناس هذا كانوا من أتباع المدرسة الكلاسيكيّة مثل ليوناردو دا فينشي، صاحب لوحة الجيوكندا والمشهورة بالموناليزا، و المبدع مايكل أنجلو في النّحت والعمارة. المدرسة الرمزية ما هي سمات المدرسة الرمزية؟ الوضوح والبُعد عن الغموض والتعقيد كانت من السمات المهمة التي اتّسمت بها المدرستان؛ الواقعيّة والكلاسيكيّة، وذلك لتكون الأعمال الفنيّة واضحة لكلّ الجمهور المُهتم بالفنّ التشكيلي، وبمختلف فئاته وطبقاته، في حين أنّ المدرسة الرمزية عندما ظهرت كانت تُنادي بأن يكون كلّ شيء في العمل الفني له دلالة ورمزيّة تختفي وراءه، وهذا الكلام عن الرمزية لا ينطبق على الفنّ التشكيلي وحده، إنّما هو يشمل آراء الرمزية في الأعمال الأدبيّة أيضًا.وفيما يخصّ الفن التشكيليّ، كانت المدرسة الرمزية ترى أنّ اللون له رمز يدلّ على حال الفنان، والوضعيّة التي يتم تشكيل الصورة أو الرسم أو اللوحة فيها لها رمزية تدل على الواقع الذي تُعاد صياغته في هذا العمل الفني، وعلى مَن يقوم بتذوّق الأعمال الفنية أن يكتشف هذه الدلالات الرمزية الغامضة، ومن الأسماء التي اشتُهرت في عالم الفن التشكيلي وكانت تابعة للمدرسة الرمزية: الفنان جيمس ويسلر، والفنان دانتي روزيتي، والفنان شافان، والفنان غوستاف مورو. المدرسة الوحشية ما هي مبادئ المدرسة الوحشية؟ تعود المدرسة الوحشية في أصولها إلى فرنسا، ولقد اعتمدت هذه المدرسة على نمط غريب في عرض اللوحات الفنية، لذا كانت تُنادي باستخدام الألوان الصارخة والصاخبة الغريبة الخارجة عن المألوف، إضافة إلى محاولة التغيير والتحريف في نسب الألوان والأحجام والأشكال، ويعود اسم هذه المدرسة إلى الناقد لويس فوكسيل؛ إذ أطلق اسم الوحشية على أصحاب هذه المدرسة لِيُبيّن الاختلاف بين أعمالهم الفنيّة الصارخة وبين الأساليب المنتشرة في غيرهم من المدارس الفنيّة. وممّا يُقال عن مبادئ هذه المدرسة أنّها كانت تبتعد عن الظّلال والنور، ولا تَميل إلى الإضافات الكثيرة للعمل الفني؛ لأنّ هذه الإضافات مِن شأنها أن تضرّ العمل الفنيّ وتذهب بروح الواقع الموجودة داخله، فيُمكن القول إنّها كانت تميل إلى التجريد والتبسيط، ومن الأعلام في الفن التشكيليّ الذين تندرج أسماؤهم تحت اسم هذه المدرسة الفنان والرسام الفرنسي هنري ماتيس، والفنان جورج رووه.المدرسة الرومانسية ما أبرز ما يميز المدرسة الرومانسية؟ تعد المدرسة الرومانسيّة أو الرومانتيكيّة واحدة من المدارس التي شغلت حيزًا كبيرًا في عالم الفن التشكيليّ؛ ولعلّ ذلك يعود إلى ما تُتيحه من حريّة التعبير للفنان التشكيلي؛ إذ يمكن له أن يُطلق العَنان لمشاعره وعواطفه وانطباعاته في اللحظات التي يُعيد فيها تشكيل الواقع، ويُمكنه أن يتجاوز الحدود والقيود التي فرضتْها مدارس الفنون التشكيلية الأخرى، وممّا يُميّز المدرسة الرومانسية أنّها لا تُملي على الفنان ما هي العواطف والمشاعر التي يجب أن يُعبّر عنها، أو طريقة التعبير عن مشاعره، بل هي انطلاقة حقيقيّة صادقة لوجدان الفنّان ومشاعره وأحاسيسه حيال الواقع الذي يُعيد تشكيله.وممّا يجدر ذكره أن المدرسة الرومانسية بهذه المبادئ كان فيها بعض المبالغة في تشكيل الواقع؛ فالحب يظهر أكبر بكثير مما هو عليه في الواقع، وكذلك الغضب أو الحزن أو السعادة، ولعلّ عدم تقييد الفنان ببعض الخطوط التي يقف عندها جعله ينطلق بعيدًا جدًا عن الواقع، فصار الواقع فيه مبالغة وخروج عن المألوف وعمّا يقبله العقل والمنطق، ومن أبرز الفنّانين الذين ترتبط أسماؤهم باسم المدرسة الرومانسيّة تيودور جيريكو؛ إذ أعلنَ تمرُّده على المدرسة الكلاسيكيّة وقوانينها، وكان هذا التمرُّد تمهيدًا لظهور الرومانسيّة في الفنّ التشكيليّ. المدرسة التكعيبية بم تختلف المدرسة التكعيبية عن بقية مدارس الفن التشكيلي؟ كانت المدرسة التكعيبيّة مختلفة في كثير من مبادئها عن غيرها من مدارس الفنّ التشكيلي، فلم يكن همّها الواقع ولا الذاتيّة التي تنعكس في أعمال الفنان، ولا حتى الموضوعية، إنّما اتجهت المدرسة التكعيبيّة إلى القيم التكعيبيّة للأشكال التي ينقلها الفنّان من الواقع، وأعلنت الرفض القطعيّ لمحاكاة الطبيعة، ونادت بكل قوة أن يقوم الفنان بتحليل الأشكال التي يريد نقلها من الواقع، وأن يقوم بإعادة بنائها بناءً هندسيًا بعيدًا كلّ البعد عن شكلها في الواقع. وصارت الأشكال التي تُقدّم في الأعمال الفنية التشكيلية تحت غطاء المدرسة التكعيبيّة أشكالًا هندسية في أغلبها، فظهرت الأسطوانة والمكعب والمخروط في كثير من لوحات فناني المدرسة التكعيبية، إضافة إلى أن المدرسة التكعيبية أعطت الشكل المرتبة الأولى، واللون المرتبة الثانية في الأعمال الفنية، ومع أنّ الفنان التشكيلي سيزان كان أول من مهّد لظهور المدرسة التكعيبية؛ إلا أنّه لا يمكن إنكار جهود بابلو بيكاسو الذي تبنّى هذه المدرسة، وعمل على تطويرها مدة طويلة من الزمن المدرسة السريالية على ماذا تقوم المدرسة السريالية؟ إن مصطلح السريالية كانت بداياته في فرنسا، ولاقى ازدهارًا كبيرًا في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، وبعدها صار له مدرسته ومبادؤه، وارتبط اسمه بالفن أيضًا، وتقوم المدرسة السرياليّة في الفن التشكيلي على تصوير كلّ ما هو غريب وغير مألوف، إضافة إلى التركيز على التناقضات واللاشعوري، ومع أن الفن التشكيي هو إعادة صياغة الواقع، إلا أنّ السريالية أعادت صياغة الواقع بطرق بعيدة كلّ البعد عن الحقيقة، وأطلقت العنان للمكبوت داخل الإنسان؛ إذ سمحت له أن يعبّر عن أحلامه وأفكاره؛ ولذلك كان الاعتماد الأكبر في السيريالية على نظريات فرويد في علم النفس. وكان اسم الفنان بروتون من أبرز الأسماء المرتبطة بالسريالية؛ إذ بدأ يُعبّر عن آرائه بمختلف الفنانين الذين اعتمدوا مبادئ السريالية في أعمالهم، وممّا يُقال إنّ بروتون هو الذي مهّد الطريق للسريالية، ولعل السريالية لاقت انتشارًا كبيرًا لما فيها من حرية في التعبير، فالفنان يُعبّر وكأنه نصف نائم، فبذلك يتخلّص من سيطرة العقل والمنطق على خياله وأفكاره، ويحلّل رغباته وأفكاره برؤى ومنطق ما فوق الواقع، ولعلّ هذه الحرية والانطلاقة في التعبير لدى السرياليين هي ما جلعت من أعمالهم فريدة ومميزة ومتباينة كلٌ حسب أفكاره ولا شعوره ومكنوناته ومكبوتاته الداخلية المدرسة المستقبلية ما سبب ظهور المدرسة المستقبلية؟ ظهرت المدرسة المستقبلية كَجزء ضروريّ ومهمّ لمماشاة الواقع والعصر الراهن وما فيه من تطوّرات وتقدم تقني تكنولوجي، فقد عُرف العصر الحالي بعصر السرعة، وكان لا بدّ مِن مدرسة للفن التشكيلي تُحاكي هذا العصر وتجاريه، لا سيما أنّ الفن التشكيلي هو نقل للواقع مع إعادة تشكيله، ويمكن القول إنّ المدرسة المستقبلية هي امتداد للمدرسة التكعيبية بطريقة أو بأخرى، إلا أنّ للمدرسة المستقبلية بعض ما يُميزها في إعادة تشكيل الواقع وصياغته؛ إذ إنّ الرسامين في المدرسة المستقبلية اعتمدوا على مُحاكاة الحركة السريعة في الواقع الذي يعيشونه، وذلك من خلال تقسيم الأشكال وتجزئتها إلى عدد كبير جدًا من النقاط والخطوط والألوان وعندما يتمّ تجزيء الشكل على هذا النحو من النقاط والخطوط والألوان تظهر اللوحة وكأنها تتحرك بسرعة متدافعة متلاحقة، ومن إبداع بعض الفنانين في المدرسة المستقبلية أنّهم كانوا يرسمون الإنسان أو الحيوان بأطراف متعددة، ظنًا منهم أنّ هذه الحركة السريعة والمتدافعة تؤدي إلى نوع من التداخل والتشابك في الأشكال فتظهر على هذا النحو، ومما يجدر ذكره أنّ الدافع الكامن وراء ظهور هذا النوع من الفن؛ هو الأحداث التي جرت في الحرب العالمية الأولى، وما شهده الفنانون من ويْلات الحرب دفعهم إلى عرض لوحات تبيّن الأثر النفسي الذي تركتْه هذه الفترة في داخلهم من دمار وخراب.

Glass on a Table 1909-10 Georges Braque 1882-1963 Bequeathed by Sir Antony Hornby through the Friends of the Tate Gallery 1988 http://www.tate.org.uk/art/work/T05028
قد يعجبك ايضا
تعليقات