القاهرية
العالم بين يديك

الأسطورة بين الحقيقة والخيال

280

بقلم/ سالي جابر
يتساءل البعض عن مفهوم الأساطير وأنه لا فائدة منه، وأن الأساطير خرافة لا يمكن تصديقها، وكان هذا التساؤل ما دفعني لمعرفة كنهة هذا العلم؛ فإن التساؤل نفسه هو المتعة حينما يفتح أمامك نافذة جديدة للعلم نستطيع من خلالها فهم ما كان غائبًا عن ذهنك.

الأسطورة تصلح كمثال ونموذج لطائفة من الفاعليات الإنسانية، لهذا ينبغي أن لا نذهب إلى القول بأن رواية أساطير تكوين الكون وتكوين الإنسانية كانت تُروى فقط من أجل الإجابة على أسئلة مثل: من نحن؟ من أين أتينا؟
مثل تلك الأساطير تؤلف أيضًا عندما يتعلق الأمر بخلق أو بإيجاد شيء ما، أو حث لنشاط في الكون البشري أو انبعاثه، لأن كل انبعاث بالنسبة للعالم البدائي يقتضي عودة إلى الأصول واستعادة لتكوين الكون بصورة رمزية.
ويقول السير إل غوم:” إن الغرض من الأسطورة هو التفسير، لأن الأساطير تفسر الأمور في صورة علم العصر ما قبل العلمي. تحكي الأساطير عن خلق الإنسان والحيوانات والتضاريس؛ تحكي لماذا اختص حيوان معين بخصائصه( لماذا الخفاش يطير ليلًا، لماذا يظهر قوس قزح)”
قال عالم النفس كارل يونج في القرن الماضي أن الأسطورة تشكل جانبًا لا غنى النفس البشرية التي تنشد دومًا المعنى والنظام في عالم يكشف عن نفسه غالبًا في صورة فوضوية بلا معنى.
وذكر الباحث جوزيف كاميل الذي اشتهر عنه الدعوة لدراسة علم الأساطير، كيف تشكل الأساطير الطبقة التحتية الصلبة لكل حضارة، والأساس العميق للوعي لدى كل فرد في مؤلفه” بطل بألف وجه” يناقش التشابهات في الموضع والشخصيات والغرض في أزمنة مختلفة، فيكتب كامبل:” ما سر الرؤيا الأبدية؟ من أين تفتقت من أعماق المخيلة؟ لماذا الأساطير في كل مكان واحدة، لكن بأسماء وأزياء مختلفة؟ وماذا تعلمنا؟
وهو يوضح أيضًا أن الأساطير تعلمنا المعنى، وتفسر للمؤمن سر حياته وتزيده قوة وتمنحه إحساسًا بالاستقرار وترتقي به من وجوده الدنيوي إلى آخر مشبع بالمعنى الأبدي والخالد، تفسر الظواهر أو العادات أو أسماء الأماكن أو الكونيات البيولوجية.
عرف بارتيه الأسطورة في كتابه علم الأساطير بأنها أقدم لغة وطريقة للاتصال من حيث كونها قول تلقائي بلغة سائغة بين عناصر اجتماعية معينة، ولهذا فإنها مجهولة الهوية والأصل، غامضة التاريخ والمكان.
والأسطورة بهذا المعنى تكتسب قداستها من كون أبطالها آلهه، وشبه آلهه، ومن قوة الاعتقاد بهذه الآلهه، وبأفعالها، وأقوالها، وإن كانت قد توارت في الذهن الخفي للناس بعد ظهور الأديان السماوية الثلاثة والفلسفات الموضوعية الحديثة وتطور العلوم الإنسانية، إلا أنه لازال لبعض الاعتقاد والطقوس الأسطورية سطوتها على أذهان البعض، ومن هنا تتبدى تقليدية الأسطورة بانتقالها من جيل لآخر بالرواية الشفهية، مما يجعلها ذاكرة الجماعة التي تحفظ قيمتها وعاداتها وطقوسها وحكمتها.

المصادر:

– مروان مودنان، كتاب علم الأساطير والملاحم 2019 الدار البيضاء الصفحات 6/7
– ‏ميرسيا إيليا، كتاب الأساطير والأحلام والأسرار، 2004، دمشق، ترجمة حبيب كاسوخة، الصفحات 448
– ‏عبد المجيد الشهاوي، الأسطورة موسوعة تاريخ العالم
– ‏كارين ارمستونغ، تاريخ الأسطورة، ترجمة د. وجيه فانصو، الدار البيضاء، 2008

قد يعجبك ايضا
تعليقات