بقلم/ حسن محمود الشريف
الامام الحسن البصري رحمه الله تعالى
هو الرجل الذى كلامه يشبه كلام الانبياء
أنه قيل عنه إمام العلماء والمفكرين المصلحين والزهاد في جيل التابعين، وهو من ثقاة المحدثين، ورائد مدرسة الفلسفة السياسية في تاريخ الإسلام، وناله الاضطهاد والأذى لنقده للظالمين والفاسدين فطاردوه في البلدان وتوعدوه بالعقاب الشديد. إلى ذلك قال الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي المعروف إن الحسن بن يسار البصري، كنيته أبوسعيد، وولد في سنة 21 هـ/ 642م، بالمدينة المنورة، وتوفى رحمه الله الخميس في أول رجب سنة 110 هجريا، وكان أبوه يسار من رقيق ميسان، وامه خيرة مولاة لام سلمة زوج الرسول، صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنها، وتربى في بيت النبوة، ومما يروى عن طفولته رضاعته من أم سلمة زوج الرسول عليه الصلاة والسلام، أثناء غياب أمه عنه في فترة الرضاع. وأوضح الدكتور عمارة أن الحسن البصري نشأ بالمدينة في كنف الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وتولى كتابة ولاية خراسان أثناء ولاية الربيع بن زياد عليها، في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وفي البصرة أقام الحسن واليها نسب وفي مسجدها غدت مدرسته أشهر مدارس ذلك العصر، فلقد تتلمذ عليه فيها أئمة عصره حتى ليمكن القول انه خرج من تحت عباءته أبرز علماء ذلك التاريخ، وبلغ في علوم العربية والإسلام الحد الذي أصبح فيه الانتساب اليه وإلى مدرسته إجازة الاعتماد للعلماء. جيل التابعين وقال إنه كان من جيل التابعين وليس من جيل الصحابة ومع ذلك فقد روي أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، عندما سمعته يرتل القرآن قالت:«من هذا الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء»، وفيه قال حجة الإسلام الغزالي:«كان الحسن البصري أشبه كلاما بالأنبياء وأقربهم هديا الى الصحابة وكان غاية في الفصاحة تتصبب الحكمة من فيه». وبين الدكتور عمارة أن الحسن البصري لم يكن فقط واحدا من ثقاة المحدثين والرواة لحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إنما كان إماما ورأسا لأول مدرسة لرواة ورواية التاريخ العربي الإسلامي تبلورت في تاريخنا الحضاري، فالناظرون في المصادر الأولى لتاريخنا الإسلامي يرون عند التأمل أن الحسن البصري وتلامذته هم نواة أول مدرسة روت أحداث هذا التاريخ. وأضاف: كانت أحداث التاريخ السياسي الأسلامي بما فيه من صراعات على الخلافة والإمارة منذ خلافة الراشد الثالث عثمان بن عفان، رضي الله عنه، في مقدمة الأحداث التي حظيت من هذه المدرسة التاريخية بالرواية والتحقيق والنقد والتقويم وكانت حروب تلك الحقبة تسمى في المصطلح العربي الدماء، وكانت ثوراتها تسمى الفتن ولريادة الحسن البصري وإمامته في هذا الميدان ولإحاطته بتاريخ الحروب والثورات تحدث عنه المؤرخون فقالوا انه كان عالما في الفتن والدماء أي عالما في تاريخ الثورات والحروب. الخلافة الإسلامية وأشار إلى أن الإمام الحسن كان من أئمة المعارضة لما أحدثه بنو أمية في فلسفة الحكم الإسلامي ونظام الخلافة الإسلامية، ولهذا لم يؤيد من خلفاء تلك الدولة الأموية سوى خامس الراشدين عمر بن عبدالعزيز، إذ تولى قضاء البصرة في عهده، وكان له ناصحا وعليه مشيرا، يكتب له الرسائل قبل وبعد تولي عمر بن عبدالعزيز إمارة المؤمنين والمراسلات بينهما نموذج من نماذج فكر السياسة والإدارة والإصلاح لواقع الأمة في ذلك التاريخ. وأوضح عمارة أن معارضة الحسن للدولة الأموية لم تصل الى درجة الخروج عليها وحمل السلاح ضدها، لانه كان كمؤرخ يدرك ما جرته مثل هذه الأحداث من مآس وآلام على الذين كان كثير منهم من تلامذته، بل وعلى عامة الناس، فكان يشترط لتأييد مثل هذه الأحداث وللانخراط فيها أن تجتمع للحدث أسباب التمكن أي غلبة الظن في النصر . ولم يسلم الحسن البصري وفقاً لما قاله الدكتور عماره، من أذى بني أمية واضطهاد ولاتهم على العراق وخاصة أذى الحجاج بن يوسف الثقفي فقطعوا عنه العطاء وأحاطوه بالعيون والجواسيس، بل اضطر الى الهرب من ملاحقتهم عندما هموا بسجنه حتى ماتت ابنته وهو هارب فلم يستطع الصلاة عليها ولم يحضر مواراتها التراب، ولكن هذا الاضطهاد الذي استمر لسنوات لم يمنعه من إعلان نقده وإدانته لمظالم الدولة الأموية. وعندما أخذت الدولة الأموية تبرر أفعالها وساندتها في ذلك فرقة المرجئة التي تدعو الى ارجاء ذلك الى الله تعالى يوم القيامة، عندما أخذ هذا الفكر يبرر لذلك الواقع كان الحسن البصري طليعة الذين تصدوا لمناهضة الفكر الجبري، فكانت مدرسته الفكرية التي اشتهرت بمدرسة أهل العدل والتوحيد، هي أولى المدارس التي تبلورت في تاريخنا الحضاري.
أهم ما يمكن أن نقف عليه في حياة الإمام الحسن البصري – رحمه الله – :
– زهده واستغناؤه عن الناس: كان من كبار التابعين الزهاد، فقد زهد فيما عند الملوك فرغبوا في ما عنده، واستغنى عن الناس وما في أيديهم فاحتاجوا إليه، قال يونس بن عبيد: “أخذ الحسن عطاءه فجعل يقسمه، فذكر أهله حاجة فقال لهم: دونكم بقية العطاء، أما إنه لا خير فيه إلا أن يصنع به هذا”.
وعن خالد بن صفوان قال: “لقيت مسلمة بن عبد الملك فقال: يا خالد أخبرني عن حَسَن أهل البصرة؟ قلت: أصلحك الله أخبرك عنه بعلم، أنا جاره إلى جنبه، وجليسه في مجلسه، وأعلم من قلبي به أشبه الناس سريرة بعلانية وأشبهه قولاً بفعل، إن قعد على أمر قام به وإن قام على أمر قعد عليه، وإن أمر بأمر كان أعمل الناس به، وإن نهى عن شيء كان أترك الناس له، رأيته مستغنيًا عن الناس، ورأيت الناس محتاجين إليه، قال: حسبك كيف يضل قوم هذا فيهم؟!”.
وعن مطر قال: “دخلنا على الحسن نعوده فما كان في البيت شيء لا فراش ولا بساط ولا وسادة ولا حصير إلا سرير مرمول هو عليه”.
– خوفه وخشيته: عُرف بشدة خوفه من الله وخشيته له، حتى قال علقمة بن مرثد في ذكر الثمانية من التابعين قال: “وأما الحسن فما رأينا أحدًا أطول حزنًا منه، ما كنا نراه إلا حديث عهد بمصيبة”.
وقال يزيد بن حوشب: “ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهما”، وعن حفص بن عمر قال: “بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني الله غدًا في النار ولا يبالي”.
– عبادته وعلمه: كان عالمًا صوامًا قوامًا يصوم الأشهر الحرم والاثنين والخميس، يقول ابن سعد عن علمه: “كان الحسن جامعًا عالمًا عاليًا رفيعًا ثقة مأمونًا عابدًا ناسكًا كبير العلم فصيحًا جميلاً وسيمًا”، وكان أنس بن مالك – رضي الله عنه – يقول: “سلوا الحسن فإنه حفظ ونسينا”.
وقال أبو سعيد في طبقات النساك: “كان عامة من ذكرنا من النساك يأتون الحسن ويسمعون كلامه ويذعنون له بالفقه في هذه المعاني خاصة، وكان عمرو بن عبيد وعبد الواحد بن زيد من الملازمين له، وكان له مجلس خاص في منزله لا يكاد يتكلم فيه إلا في معاني الزهد والنسك وعلوم الباطن، فإن سأله إنسان غيرها تبرم به وقال: إنما خلونا مع إخواننا نتذاكر، فأما حلقته في المسجد فكان يمر فيها الحديث والفقه وعلم القرآن واللغة وسائر العلوم..”.
وعن بكر بن عبد الله المزني قال: “من سره أن ينظر إلى أفقه من رأينا فلينظر إلى الحسن”، وقال قتادة: “كان الحسن من أعلم الناس بالحلال والحرام”.
وفاته:
توفي الإمام الحسن البصري بالبصرة في رجب سنة عشر ومائة من الهجرة، وعمره تسع وثمانون سنة، وكانت جنازته مشهودة،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين