القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

التوقيت الصيفي وزياده الـ ٦٠ دقيقة

170

 

محمد زغله

أثار قرار عودة العمل بالتوقيت الصيفي، بعد 8 سنوات من آخر مرة طُبق فيها عام 2015، تساؤلات حول الجدوى من تطبيقه، وتخوفات من وجود إشكاليات حال العمل به.

سيعود العمل بالتوقيت الصيفي بدءًا من يوم الجمعة الأخير في شهر أبريل 2023 حتى الخميس اﻷخير من أكتوبر 2023. كل ما عليك وقت بدء العمل به تقديم ساعتك ساعة واحدة.. لكن لماذا هذا التقديم وخلفياته، وما الذي ينتج عنه؟

سنحاول الإجابة في السطور القادمة على أبرز الأسئلة المُثارة حول التوقيت الصيفي.
متى ظهر التوقيت الصيفي وكيف جاءت فكرته؟
يُعتقد خطأ أن مخترع فكرة التوقيت الصيفي هو المفكر والسياسي الأمريكي بنيامين فرانكلين، وذلك في “ورقة بحثية” نشرها عام 1784.

في الحقيقة الورقة كانت “ساخرة”، وتحدث فيها فرانكلين عن تجربته في الإقامة بباريس وما رآه من إهدار الشموع المستخدمة في الإضاءة، واقترح عدة اقتراحات لأجل توفير الشموع.

لم تكن ضمن الاقتراحات فكرة التوقيت الصيفي، لكن يعتبر البعض أن تلك الورقة الساخرة، كانت إرهاصًا لظهور أفكار لتوفير الطاقة فيما بعد.

بدأ الظهور الحديث لمفهوم التوقيت الصيفي على يد عالم الحشرات النيوزيلندي جورج هدسون عام 1895، عندما اقترح تغييرًا زمنيًا لمدة ساعتين، حتى يكون أمامه ساعات عمل أكثر قبل غياب أشعة الشمس للذهاب للبحث عن الحشرات صيفًا.

عام 1902 خاض المعماري البريطاني الراحل ويليام ويليت صراعًا للمناداة بتطبيق التوقيت الصيفي واقترحه على مجلس العموم البريطاني، لتوفير الطاقة صيفًا، لكن الحكومة رفضته حينها.

جاءت الحرب العالمية الأولى التي تسببت بشكل غير مباشر في التعجيل بتطبيق الدول قرار التوقيت الصيفي. في عام 1916 بعد نحو عامين من الحرب بدأت ألمانيا في التفكير في حلول لتوفير الطاقة المستخدمة خلال ساعات العمل في النهار والمستخرجة من الفحم.

الاقتراح كان تطبيق فكرة ويليت، بتقديم الوقت لمدة ساعة، مما يُتيح زيادة ساعات العمل في النهار، وحذت حذوها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وبالفعل نجح الاقتراح بعدما جعل الناس يقضون وقتًا أكثر بالخارج نهارًا، وأقل ليلًا، مما وفّر من الكهرباء وكان له أثر إيجابي تَمثل في شعور المواطنين بمساهمتهم في المجهود الحربي.

تُطبق حاليًا أغلب الولايات المتحدة الأمريكية بشكل منتظم التوقيت الصيفي سنويًا ويُطبق في العام الجاري 2023 من مارس إلى نوفمبر، وفي الاتحاد الأوروبي من مارس إلى أكتوبر، وإجمالًا سيُطبق في 73 دولة حول العالم هذا العام.

لا يُطبق التوقيت الصيفي في جميع الدول والمناطق حول العالم، بسبب أن ساعات النهار في تلك المناطق في الصيف أطول منها في الشتاء مثل ولايتيّ هاواي وأريزونا في أمريكا، والدول الواقعة على خط الاستواء، التي تنتظم فيها ساعات النهار مع الليل.

لماذا “استوردنا” الفكرة في مصر؟

طَبقت مصر “التوقيت الصيفي لأول مرة عام 1945، بسبب التأثر في عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق محمود فهمي النقراشي بالأزمة الاقتصادية التي ضربت مصر والعالم حينها بسبب الحرب العالمية الثانية، وارتفاع أسعار المحروقات، ما أدى إلى وجود حاجة لتوفير الطاقة.

استمر التطبيق عام واحد، قبل أن يُلغي الملك فاروق القرار عام 1946. واستمرت مصر دون توقيت صيفي 11 عامًا، حتى طُبق مجددًا في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر عام 1957، واستمر العمل به حتي أُلغيّ عام 1975 في عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات.

أعادت مصر تطبيق التوقيت الصيفي في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عام 1982، وكان موعده من أول مايو حتى آخر سبتمبر من كل عام، مع استثناء شهر رمضان، ثم أُلغي العمل به عام 1985، وعاد مجددًا عام 1988، وفي 1995 أصبح يُطبق في الجمعة الأخير من أبريل بدلًا من مايو.

بعد ثورة يناير 2011 أَلغى المجلس العسكري “التوقيت الصيفي” استجابة لمطالب المواطنين، قبل أن يعود مجددًا في 2014 بالتزامن مع أزمة انقطاع الكهرباء في عهد الرئيس المؤقت الأسبق عدلي منصور، لمدة عام واحد، حتى إلغاؤه في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2015، وكان من المُقرر عودته مجددًا في 2016، لكن رفض مجلس النواب إقرار عودته.

التطبيق والإلغاء المتكرر له في مصر، يرجع إلى عدم التأكد من فوائد تطبيقه الفعلية، والثقة من تأثيره الإيجابي، والتضارب في الدراسات الحكومية حول “التوقيت الصيفي”.

المتحدث الأسبق باسم مجلس الوزراء حسام القاويش، قال في 2014، جاء في “إطار دراسة البدائل التى يمكن بها السيطرة على قطع الكهرباء، حيث وُجدت دراسة أن تطبيق التوقيت الصيفى سيكون من شأنه التقليل من البترول المستخدم فى توليد الكهرباء، وسيكون من نتائجه تخفيف الأحمال بدرجة أقل”. رئاسة مجلس الوزراء المصري

وصرّح حينها رئيس تنظيم الكهرباء د.حافظ سلماوي، أن تطبيق “التوقيت الصيفي” سيُخفض الكهرباء بنسبة 1.5% فقط.

لكن المتحدث الحالي باسم مجلس الوزراء نادر سعد أشار في تصريحات إعلامية مؤخرًا إلى أن الدراسات الحديثة التي تم إجرائها من جانب وزارتي الكهرباء والطاقة المتجددة والبترول أثبتت أن تطبيق القرار سينتج عنه صافي توفير ما لا يقل عن 10 % من الطاقة المستخدمة على الجمهورية، في حال تطبيقه لمدة 6 أشهر، معقبًا: هناك “داعي واحد لتطبيق التوقيت الصيفي مجددًا- توفير الطاقة”.

الإشكاليات المرتبطة به والتكلفة الاقتصادية؟

هناك تخوفات صحية واجتماعية واقتصادية من المفيد النظر إليها ودراستها عند تطبيق “التوقيت الصيفي”.

عند مناقشة مجلس النواب لعودة “التوقيت الصيفي” مجددًا في 2016، قال تقرير لجنة إدارة المحلية في المجلس إن هناك دراسات أثبتت عدم تأثيره الإيجابي على توفير الكهرباء، فضلًا عن إرباكه الساعة البيولوجية للمواطنين، وإجهادهم لقلة ساعات النوم.

يوضح لوجان دي شنايدر طبيب أعصاب النوم في مركز ستانفورد لطب النوم تلك الأضرار: “يحرم تقديم الساعة فرصة الاستيقاظ على ضوء النهار، ويؤخر علامات الظلام التي تُخبر الجسم إنه بحاجة إلى الخلود للنوم”.

كما تشير دراسات علمية أخرى، لوجود آثار صحية أخطر. تقول بيث آن مالو، مديرة المركز الطبي بجامعة فاندربيلت، إن اختلال طبيعة الساعة البيولوجية يمكن أن يُسهم في الإصابة بالسمنة والسكري، وأمراض القلب، وهو ما أشارت إليه دراسات نُشرت عاميّ 2019 و2020، إحداهما بيّنت زيادة الإصابة بأمراض القلب بشكل متواضع “ولكن ملحوظ” وقت تطبيق التوقيت الصيفي.

ودعت سابقًا الأكاديمية الأمريكية لطب النوم في 2020، إلى اعتماد التوقيت القياسي، وإلغاء التوقيت الصيفي، لأنه “يحمي صحة وسلامة الأمريكيين”.

وعلى ناحية الآثار الاجتماعية، في دراسة حديثة نُشرت نتائجها في فبراير 2023، أجراها مركز بيركلي لعلوم النوم البشري التابع لجامعة كاليفورنيا، لاحظ بن سيمون، الباحث الرئيسي في الدراسة التي أُجريت على مجموعة من البشر بين عامي 2001 و2016، أن التوقيت الصيفي أثّر على سلوك تبرعات الأفراد في الأسابيع الأولى قبل تطبيقه وبعده، وذلك بسبب تأثير قلة النوم السلبي عليهم، الذي جعلهم أقل اهتمامًا بعمل خيري.

سيمون أوضح في جزء آخر من الدراسة أن قلة النوم، أثرت بشكل سلبي على رغبة الناس في مساعدة بعضها البعض، وتعاطفهم أيضًا مع بعضهم البعض.

على الجانب الاقتصادي، تشير بعض الدراسات، إلى أن تطبيق التوقيت الصيفي قد يؤثر على إنتاجية العامل، نتيجة الإرهاق الناتج عن قلة النوم.

في مقال لهما نُشر في صحيفة نيويورك تايمز في مارس 2014، قال ديفيد واجنر أستاذ السلوك التنظيمي والموارد البشرية بجامعة سنغافورة، وكريستوفر بارنز أستاذ الإدارة والتنظيم بجامعة واشنطن، أنه تلاحظ بعد تطبيق التوقيت الصيفي، قضاء الموظفين وقت أطول على الإنترنت لأشياء لا تتعلق بالعمل، فضلًا عن قلة التركيز وازدياد الإصابات في مواقع العمل بين العمال. The New York Times

قد يعجبك ايضا
تعليقات