بقلم الأستاذ /شفيق بن بشير غربال من صفاقس
متابعة عبدالله القطاري من تونس
اللهم أهلّ علينا رمضان بالخير واليُمن والبركة . وإن شاء الله نصومه بصحة البدن وضوء البصر . وأما الذين لا يعترفون به ربما نردد على مسامعهم ما كنا نردده صغارا ” يا فاطر في رمضان ..الرزق عليك حرام .”
يا حسرة ، منذ نحو نصف قرن من الزمن وأكثر بقليل كان لرمضان وقع خاص تتعدّل عليه الأُسَر وتستعدّ له مسبقا استعدادا يجمع بين الروحانيات و مُتع الحياة الدنيا . ولا ريب أن البلاد لم تكن تعاني من التشكيك في هويتها الإسلامية فكان رمضان موسما للجميع فقراء وأغنياء كلّ يعيش أيامه الثلاثين أو التسعة والعشرين بالقناعة و الرضاء بالمقسوم .
في صباي كنت أرى أرباب البيوت يستعدّون لرمضان بتبييض دُورِهم بالكلس الأبيض ( الجير العربي مع قليل من الصبغة الزرقاء) فيعطي ذلك التبييض رائحة تقضى على الرطوبة و تبهج العين بالأبيض . كانوا يعبدون الله دون تكلف ولكن بإيمان صادق .
رمضان شهر الكبار البالغين المكلفين وللصغار الذين لا يُنهون عن التدرُّب على الصوم خاصة في المواسم الباردة . رمضان القعدة العربي والبريك والمخارق والزلابية و ركايب العزاوز و الصمصة و الكريمة السخونة و التشيش بالقرنيط الشايح عندما كان في متناول الزوالي و الخبز الشواي والكعك الكبير المقلي في العسل والمرشوش عليه الجلجلان (السمسم) و المقروض الأسمر أو الأحمر المشحّر في العسل و تحية رمضان مع عادل يوسف و أمي تراكي والحاج كلوف ومدفع رمضان وطلوع السطح لرؤية الثريا ( المأذنة) وهي تضاء عند إعلان وقت المغرب و اللمة العائلية حول جهاز التلفزة والسحور و الطبخ على البابور والكانون وعالة التاي الممنوع على الصغار و سؤال الكبار والجدات خاصة عن الصيام والبلوغ …
لم يكن الزمن المدرسي يتغير ويعرف توقيتا خاصا برمضان . وكنا نحن الأطفال نعيش رمضان مع الكبار الذين يرقّون في هذا الشهر و يُلجِمون ألسنتهم عن الصّراخ والتّوبيخ والشّتم والدعاء بالشر ويكفّون أيديهم عن الضرب بغرض التربية وحتى لا يرفثوا و يفسد صيامهم . وفي هذا الشهر الفضيل يقبل على الصلاة من غفل عنها في باقي السنة فمنهم من يواصل ومنهم من يعود كما كان قبل رمضان .
روائح البيوت في رمضان عطرة بالبخور والنّد والعنبر إضافة الى روائح الطعام الشهي الذي تحفل به مائدة رمضان وعامرة بذكر الله وبما يليق بالشهر الكريم . ديار كثيرة تفتح ” بيت السهرة ” من أول رمضان لحلقة تلاوة القرآن إثر صلاة العشاء والتراويح ويحرصُ الكبار على تشريك الصغار وتدريبهم على قراءة القرآن وإن كانوا يتأتئون ويتعثرون
. وبداية من ليلة السابع والعشرين من رمضان يختم القرآن بدعوة جمع من الأهل والأقارب فتكون فرصة للتواصل ونيل الثواب والشرب من الماء الذي يقرأ عليه .
يا ألله ..كم كانت علاقتنا برمضان متّزنة متوازنة ندرك فيها أنه شهر البر والتقوى فلم يكن التبذير يبلغ مبلغه هذي الأعوام . شهواتنا للأكل زادت عن حدّها و تجاوزت ميزانياتنا وكأنّ رمضان جعل للأكل والتخمة وملء سلال القمامة بالمطبوخ والخبز واللحم والسمك !؟
هذه تدوينة أولى ستليها تدوينات رمضانية يوميّة إن شاء الله .
رمضانا مباركا وصياما مقبولا إن شاء الله أحبتي . وكل عام وأنتم بخير .
بقلمي : شفيق بن بشير غربال