القاهرية
العالم بين يديك

لا تقل مستحيل

372

بقلم _حسن محمود الشريف

لقد اهتم الإسلام بالهِمَّةِ العاليةِ و نجد أنه جاءت الآياتُ من كتابِ اللهِ تعالى و الأحاديثِ عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهٌ عَلَيْهِ و سَلَّمَ تحث على شحذِ الهممِ ، و ارتيادِ معالي الأمورِ ، و التسابقِ في الخيراتِ فمن ذلك .
أولًا : في الكتابِ الكريمِ :
قال تعالى : ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [الحديد: 31].
و قال تعالى : ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].
و قال سبحانه : ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾.
و قال أيضًا : ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ﴾.
و قال : ﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾.
ففي هذهِ الآياتِ و غيرِها في كتابِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ تحريض للمؤمنين كي يتنافسوا في أمورِ الآخرةِ ، فيسارعوا إلَى كلِ ما من شأنه طاعة و رضى لله عَزَّ و جَلَّ ، فيستغفرون اللهَ تعالى ، و يسارعون إلَى كلِ سبيل موصل إلَى الجنةِ .
إن المسلمَ صاحب الهِمَّةَ العاليةَ لا يرضى بالدونِ من الأقوالِ أو الأعمالِ ، ولا يرضيه إلا معالي الأمور .
و لقد ضرب لنا السلفُ الصالحُ المثلَ الأعلى في التغيير انظر إلَى
الإمام_الكسائي_رحمه_الله :-
كان راعياً للغنم حتى بلغ أربعين (٤٠ عاماً) و فى يومٍ من الأيامِ و هو يسير رأى أُمَّاً تحثُ ابنها على الذهابِ إلَى الحلقةِ لحفظ القرآنِ و الولد لا يريد الذهابَ .
فقالت لابنها : يا بني اذهب إلَى الحلقةِ لتتعلم حتى إذا كبرت لا تكون مثل هذا الراعي !! فقال الكسائى :
‏أنا يُضرَب بى المثلُ في الجهلِ
فذهب فباع غنماته و انطلق إلَى التَعلُّمِ و تحصيله فأصبح :
إمامًا فى اللغةِ
إمامًا فى القراءاتِ
و يُضرَب به المثلُ في العلمِ و كِبَرِ الهِمَّةِ
( الجواهر و الدرر لابن حجر ).
إنها الهِمَّةُ العاليةِ الَّتِي تحلى بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ و رب عليها الصحابة رضي الله عنهم
و الَّتِى جعلت الإمامَ أحمد يقول مع المحيرة إلى المقبرة
إنَّ الهِممَ العاليةَ كنوزٌ غاليةٌ يمتن بها المنانُ على منِ يشاء من بني الإنسانِ ، فطوبى لمن أولاه مولاه تِلكَ الهمةُ العاليةُ و العزيمةُ الوثابةُ و الإرادةُ الماضيةُ ، فما آفة المحقِ إلا الترددَ و التذبذبَ ، و التخاذلَ و الفتورَ و الرضى بتوافه الأشياءِ و محقراتِ الأمورِ !
و المتتبع لنصوصِ الوحي الشريفِ ، يرى كيف أنَّ هذا الدينَ القويمَ يربي في قلوبِ أتباعِه تلك الهممُ لتصل بهم لعالي القمم و معالي القيمِ ، فإذا سألتم اللهَ الجنةَ ، فاسألوه الفردوس الأعلى ! فهل تأملت هذا الدرسَ ؟ وربيت به النفسَ ؟
فعن أبي موسى رضي اللهُ عنه قال : أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ أعرابيًا فأكرمه ، فقال له : « ائتنا »، فأتاه، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ : ” سل حاجتَك “. قال: ناقةً نركبها ، و أعنزَ يحلبها أهلي ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ : « أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل ؟!» قالوا : يا رسولَ اللهِ و ما عجوز بني إسرائيل ؟! قال: «إنَّ موسى عليه السلام لما سارَ ببني إسرائيل من مصر ضَلّوا الطريق ، فقال : ما هذا ؟ فقال علماؤهم : إنَّ يوسفَ عليه السلام لمّا حضره الموتُ ؛ أخذ علينا موثقًا من الله ، أن لا نخرجَ من مصر حتّى ننقلَ عظامَه معنا » أي بدنه ، وهو من باب إطلاق الجزء و يُرادُ به الكلُ ، فالأنبياء لا تأكل الأرضُ أجسادهم كما صح بذلك الخبرِ عن خيرِ البشرِ « قال: فمن يعلمُ موضعَ قبره؟ قال: عجوزًا من بني إسرائيل ، فبعث إليها ، فقال : دلَّيني على قبرِ يوسفَ ، قالت : حتى تعطيني حُكمي . قال : وما حكمكِ ؟ قالت : أكونُ معك في الجنة ، فكره أن يعطيها ذلك ، فأوحى اللهُ إليه أن أعطها حكمَها ، فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقعِ ما ، فقالت: انظبوا هذا الماء، فأنظبوه، فقالت: احتفروا، فاحتفروا ، فاستخرجوا عظامَ يوسف ، فلما أقلّوه إلى الأرض فإذا الطريقُ مثل ضوء النهار » (السلسة الصحيحة للألباني [313] و صحيح موارد الظمآن [2/452] [2064]) . أرأيت الفرقَ الواسعَ و البونَ الشاسعَ بين من يريد أعنزًا يحلبها و ناقةَ يركبها ، و بين من تريد مرافقةَ الرسول في الجنة ؟!
إنها الهمَّةُ العاليةُ ، فقط !
فإلى متى يرضى الكثيرُ منَّا بضعفِ الهِمَّةِ ، و فتورِ العزيمةِ ، و يرضى من الغيابِ بالإيابِ ، و من الغنيمةِ بالسلامةِ ؟!
متى نرى في الأمةِ المُسلمةِ الجمَّ الغفيرَ و العددَ الكثيرَ الَّذِين يحملون الهمَ لضخامةِ الهِممِ ؟!
و صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ الَّذِي يقول : « إنما الناس كإبل مائة ، لا تكاد تجد فيها راحلة » ( صحيح البخاري ، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ).

وأخيرًا : ما هي أمانيك؟ و أحلامك؟ و طموحاتك ؟ إلَى أين تريد الوصولَ ؟ هل همتك في الثرى أم أنها محلقة في السماء كالثريا ؟ هل تقنع من المعالي باليسير ؟ هل ترضى بالدونِ ؟
فالحقيقة الدقيقة هي : أن تكون أو لا تكون !!
وهذا شهر رمضان على الأبوابِ
ماذا أنت فاعل فيه ، هل سنصوم صيام كل عام أم نكون مختلفين هذا العام حتى نكون فى نهاية الشهر من عتقاء الرحمن فمن اعتقت رقبته من النار فاز و رَبِّ الكعبه لأنه أخد صكَ أمانَ بأنه لن يلج النارَ نسأل الله العظيم رَبِّ العرشِ الكريمِ أن يجعلنا و من نحب من عتقاءِ الرَّحْمن فى شهرِ القرآنِ اللهم آمين
و آخر دعوانا أنّ الحمد لله رَبِّ العالمين

قد يعجبك ايضا
تعليقات