القاهرية
العالم بين يديك

جميلة

170

.
بقلم_ حمادة توفيق.

سار في السوق يتمخطر على حصان أبيض يجذبُ الأنظارَ ويلفتُ الانتباهَ، نظرَ ناحيةً فرآها، فإذا بقلبهِ يدقُّ بقوةٍ وعنفٍ لا عهدَ له بهما، رأته هي غير بعيد على حصانهِ الأبيضِ ينظرُ إليها في إعجابٍ جمٍّ فابتسمت.
تعرفه جيدًا مثلها مثل كل فتيات الكفر، اسمه سيف، ابن العمدة وفتاه المدلل، طال بها المقام فاستدارت ومضت تحث الخطى بين الموجودين في السوق، أما هو فظل واقفًا ينظرُ إليها مأخوذًا بجمالها.
جميلة واسمها جميلة، عيناها نجلاوان، شفتاها لمياوان، وجهها مستدير كأنه البدر في ليلة تمامه، خفيفة الظل، تدخل القلب من أول وهلة، دقيقة الأثداء ممشوقة القد، حلوة الملامح، لها في الحسنِ اليدُ الطولى والقدحُ المُعلَّى.
وقع ابن عمدة الكفر في حب جميلة، فإذا بها تستوي على عرش فؤاده وتتمكن منه أيما تمكن، ومع مر الأيام وكرِّ الليالي سقط في حبائل الهوى، فصار متيَّمًا بها عاشقًا مستهامًا، كلما خيَّمَ عليه الليلُ بعثر بين يديه تباريحَ حبٍّ ضاق بحملهن ذرعًا، ونثر على كفوف القمر عبَرَاتٍ انهملت بهن عيناه فكأنهما السحب المواطر، ثم قضى الليل يتقلب على جمر الهوى، مُمنَّيًا نفسه بلقاء يبرد لواعج قلبه يوم انعقاد السوق الكبير.
وفي السوق رآها مجدَّدًا فرق قلبه لها ورفرف كطائر جريح دبت فيه الحياة، ابتسم لها وهشَّ وبشَّ وكاد يفرش لها الأرضَ بالورود والرياحين.
– أجنّية أنتِ أم إنسية؟
ابتسمت ابتسامة عذبة تأسر القلوب والألباب:
– لماذا؟!
دنى منها حتى كاد أن يلتحم بها:
– أنا ابن العمدة وفتاه المدلل، أنا الحلمُ الذي يراود كل فتيات الكفر قاطبةً، عشت طيلة سنوات فاتت أمني القلب بحب تكتمل به السعادة المبتغاة، رفضت الإصهار إلى أكبر العائلات في الكفر وخارج الكفر، لأن الزواج بلا حب كبناء بلا أساس يوشك أن يتداعى، ثم رأيتكِ أنتِ فإذا بالقلب النائم يستيقظ من سبات عميق، ويتنسم لأول وهلة عبقَ الحياةِ وشذاها العطرَ، كيف فعلتِ ما عجز الأخرياتُ عن فعله يا هذه ومن نظرة، مجرد نظرة؟
عقد الحياء لسانها وتورد وجهها خجلًا فنظرت إلى الأرض والابتسامة تعلو محياها فلا تزيدها إلا رونقًا وبهاءً.
عند ذلك انتوى الشاب في قرارة نفسه أن يتحدث إلى أبيه في الأمر عساه ينجح في خطبة الفتاة، فحار كيف يقنع أباه بها، هو يعلم يقينًا أنه سيتجشَّمُ مشقة بالغة وعناء ممضًّا حتى يتمكن من إقناعه، هذا لأن العائلة ترفض الإصهار إلى من سواها من العائلات، وتشترط على شبّانها المقبلين على الزواج أن يتزوجوا من ذات العائلة فحسب.
وتحدث سيف مع أبيه فجابهه بالسؤال الطبيعي والمتوقع:
– لماذا هي تحديدًا مع أنها ليست من العائلة؟
فأجاب وعيناه تلتمعان:
– أحبها!
نظر إليه أبوه حنِقًا وعيناه تقتدحان بالشرر:
– تحبها؟ عن أي حب تتحدث؟ الحب صنيعة الحمقى والمغفلين، وماذا بعد الحب؟ إن كان الحب سيتسبب في مخالفة تقاليد العائلة وما اصطلحت عليه من مبادئ فليذهب إلى الجحيم، لا سيما وأن الفتاة المجتباة فقيرة بلا جاه ولا مال، هل جننت أم طاش عقلك؟!
ضحكت أمه غير بعيد، فبدت منه التفاتة سريعة إليها:
– مرآة الحب عمياء يا عمدة!
– سأتزوجها يا أمي، شئتم أم أبيتم سأتزوجها، فلتباركوا الأمر إذن، فلقد أخذت قراري.
وقف أبوه:
– يا بني دعك من كل هذا وفكر كرجل، لا تكن المعول الذي يهدم ما بنى أبوك من ملك تليد!
بيد أن الفتى كان يُعوِّلُ كثيرًا على محبته في قلب أبيه، فلم يرعوِ ولم يكترث، بل أدرك أن ثورته مجرد سحابة صيف توشك أن تنزوي وأن تنقشع، فخفَّ من ساعته إلى منزل محبوبته يدق الأبواب بقلب صب، لو أُطلِقَ له العنانُ لرفرف من فرطِ فرحتهِ ونشوتهِ في عنانِ السماءِ.
وقرأت المحبوبة الغيداء في عين معشوقها رغبةً عارمةً فيها، فخفق قلبها فرحًا مغتبطًا جذلانًا منتشيًا، وكانت يتيمة وتعيش هي وأمها وأخوات ثلاث يصغرنها على معاش أبيها الراحل في بيت متواضع وبسيط، وجلس الفتى إلى الفتاة وأمها وطلب من الأم يد الفتاة فعقد الحياء لسانها وتورد وجهها خجلًا، إذ أن ظروفها المادية السيئة لم تمكنها من تجهيز الفتاة كعادة سواد الناس في القرية.
ولما قرأ الفتى ذلك في وجهها ساور القلق قلبه الصبَّ، فتساءل وعيناه معلقتان بالفتاة تعلقَ الغريقِ بأسباب الحياة:
– كأنك ترفضين طلبي يا أماه!
فاعتدلت تسوي ملابسها:
– كيف وأنت أنت، إنني لحمقاء رعناء لو رفضت طلبك، يا بني أنت حلم كالخيال، فهل من الذكاء لو تحقق أن يُرد أو يُصد؟
ابتسم:
– ثم؟
– نحن عائلة منكوبة، عضَّها الفقرُ بنابٍ أزرق،َ وقلبت لها الدنيا ظهر المجن، وتوالت عليها المحن بعد المحن، فلم أتمكن من تجهيز ابنتي مثلما يليق بأم عاشت بعد فقدان الظهر والسند أمًّا وأبًا، كنت أتمنى أن أجهزها وأخواتها، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
ابتسم وقد استرق من فتاته نظرات:
– هذه كلها شكليات يا أماه، فاطردي الهواجس عن عينيك لتنعما ببريق الحاضر الذي ابتسم لك أخيرًا، فأنا لست بحاجة لجهازها، أريدها هي، هي فحسب.
عند ذلك قامت من فورها توزع الزغاريد في جهات أربع، ليعلم القاصي والداني بما تم وما وقع.
وسرى الخبر في القرية سريان النار في الهشيم، وانتشر في الكفر كله من أقصاه إلى أدناه، ابن عمدة الكفر وفتاه المدلل، خالف ما اصطلحت عليه عائلته من مبادئ في الإصهار، وأصهر إلى فتاة يتيمة فقيرة من فتيات الكفر، فتاة لا تملك من حطام الدنيا نقيرًا ولا قطميرًا، ياللعجب!
لماذا هذه الفتاة إذن ودون سواها ممن ضاقت بهن الدنيا فضلًا عن الكفر؟ أساحرة هي؟ لا بأس فربما صنعت له سحرّا بالمحبة عند أحد السحّارين.
وسرعان ما فطن الناس في الكفر إلى الحيلة التي اخترعوها اختراعًا واصطنعوها اصطناعًا، إنه صاحب المقام.
سيدهم وابن سيدهم، الشيخ المبروك الطاهر، الذي ما قصده موجوع إلا برأ من وجعه، وما لاذ بجنابه مريض إلا عاد أصح مما كان وأنشط، وما تبركت بأعتابه الميمونة عانس إلا تهافت عليها الخطّاب من كل حدب وصوب، وما استغاثت بحوله عاقر إلا سرت في أوداجها دماء الحياة فأُعطيت الولد.
مدد يا سيدنا مدد، مدد بلا عدد، مدد!
وعلمت جميلةُ بما يُحاك في القرية وما يُقال، وما تلوكُ ألسنُ النساء حولها من أقاويل تضحك الثكلى، فهرعت إلى مرآتها تتغنج في دلال جم، وتقول:
– بركاتك يا صاحب المقام، مدد بلا عدد يا سيدنا، مدد.
ثم انطلقت في الضحك كالتي جُنّت.
ومرت الأيام وسيف يجاهد لإقناع أبيه بالعروس المجتباة، بيد أنه يتعنت ويرفض رفضا باتا لا رجعة فيه، فالذي ينتويه ابنه الوحيد لا يعد فقط مخالفة لما اصطلحت عليه العائلة من عادات وتقاليد، وإنما تفريط في مال أبيه وملكه التليد!
وقرر الفتى في قرارة نفسه أن يتزوج الفتاة وإن اعترضت الدنيا جمعاء، فهي وحدها التي تعنيه أما تقاليد أبيه فلا تعنيه، وأوحى له الحب ساعة الخطر أن يفوز بفتاته ولو وقف لأبيه بالمرصاد، فليضعه أمام الأمر الواقع والزمن كفيل بمداواة الجرح الذي سيتسبب فيه.
بيد أن العمدة تنازل عن عنفوانه ورضخ لقرار ابنه الوحيد مخافة أن يتزوج فتاته دون علمه، فناداه ليزف إليه البشري فكاد يجن من فرط الفرحة، ورفرف قلبه نشوانّا مغتبطّا كأنه لم يعرف السعادة إلا هذه اللحظة فحسب، فطار في التو واللحظة يحث الخطى إلى منزل معشوقته الغيداء، وما أن دق الباب وجبينه يتفصد عرقًا، حتى خرجت إليه ورأت الفرحة طاغية عليه، فلاحت الابتسامة في عينيها وعلى شفتيها، وأشرق وجهها الصبوح فكأنه صفحة كتاب بيضاء، فأشارت بيدها تفسح له الطريق فخفد إلى الداخل بقلب صب وعين أضناها السهر.
وتم المراد من رب العباد، فأقيمت الأفراح والليالي الملاح، وعمت الفرحة أرجاء الدار.
ومر شهر العسل كأنه يوم أو بعض يوم كحال الأيام السعيدة إذ سرعان ما تنقضي سريعا كطرفة عين.
وما لبث الشهر أن ينقضي حتى باغتت زوجة العمدة العروس بسؤال كدر صفو أيامها أيما تكدير، إذ استوقفتها وهي تصعد رفقة زوجها ذات ليلة متسائلة: هل ثمة أخبار مفرحة عن حمل مرتقب؟
فنزل عليها السؤال كالصاعقة، واسترقت من زوجها والعمدة الجالس غير بعيد نظرات لهن مغزى، ثم خيم عليها صمت طال للحظات، فأردفت الحماة:
– لقد طال اشتياقي أنا والعمدة لولي العهد يا زوجة ابني!
فأجاب سيف وقد ابتسم لزوجته مترفقا بها:
– لا تتعجلي الخير يا أماه، فكل آت قريب.
فعادت الأم تنظر إلى جميلة وقد تصنعت الابتسام تداركًا للموقف.
وبعد هذا الموقف ساورت جميلة مخاوف جمة وسيطرت عليها هموم شتى، فبثت شكواها ذات نهار لأمها وكانت هي موضع السر والخبر بالنسبة لها، فإذ بها تأمرها بزيارة صاحب المقام والتبرك بأعتابه والاستعانة بجنابه، فخافت ابنتها وارتعدت ولم تحبذ الفكرة، إذ أن زوجها كان ديِّنًا ورِعًا قارئًا مثقفًا، لا يؤمن بما يعتقد سواد الناس في الكفر من معتقدات فيما يتعلق بأولياء الله الصالحين عمومًا وبصاحب المقام خاصة، فصرفت النظر عن فكرة أمها وآثرت أن تصبر، ولعل وعسى.
ومع مر الأيام وكر الليالي زادت مخاوف الزوجة الحسناء إذ ظل الحال كما هو، وظلت هي على حالها، لا ترى أي علامة من علامات الحمل، ولا تستشعر أي أمل في الإنجاب على الإطلاق، فنغص ذلك عيشها وأفقدها صوابها، وطاردتها نظرات أم زوجها في كل مكان في الدار، حتى سمعتها ذات ليلة تهمس للعمدة: لقد ابتعنا لابننا الوحيد أرضًا بورًا يا عمدة، أرضًا لا تمسك ماءً ولا تنبت زرعًا.
فانهملت عيناها بعبرات سخينات ترقرقن على خدها الأسيل كالجمر المتقد، ولم تجد بُدًّا من الانصياع لنصيحة أمها لها، عسى أن يُجبَرَ كسرُها، وتؤتي الأرض البور أُكُلَها ولو بعد حين!
وآثرت الزوجة أن تكون زيارتها لصاحب المقام في يوم جمعة، فاستأذنت زوجها في الذهاب إلى والدتها للاطمئنان عليها وتفقد أحوالها فأذن لها، وهناك قامت هي وأمها بارتداء نقاب توخيا للحذر ثم انطلقتا إلى المقام لا تلويان على شيء ولا تكترثان بما قد يجلب ذلك من مشاكل إذا علم به الزوج أو أحاط به علما.
وما أن وصلتا إلى المقام حتى وجدتا المكان مكتظًّا بالزائرين والأعتاب قد ضاقت بالمتمسحين وذوي الحاجات، فاخترقتا الصفوف حتى وصلتا إلى المقام في مشقة بالغة وألم ممض، وهناك التقفت جميلة النافذة المطلة على المقام الطاهر بيدين معروقتين وعينين نالت منهما شمس الهجير وحرارة الرمضاء.
– جئتك من مكان بعيد يا غوث الضعيف ويا ملاذ السائلين!
صاحت داخلها غريزة الأمومة الصارخة فتمكن منها ضعف جم وخارت قواها فانهملت عيناها بالدموع كأنهما السحب المواطر.
– أنا المحرومة التي ضاقت بها الأرض رغم سعتها ولم تجد سواك مجيبًا، فلا تردني خائبة تعيسة كاسفة البال، وارزقني ولدًا يكن ظهرًا وسندًا وعونًا وعضدًا، بركاتك يا سيدي، جئتك وكلي أمل فلا تخيب فيك أملي، ولا تردني إلا مجبورة الخاطر، مدد يا سيدي مدد، مدد بلا عدد.
ولما انتهت من بث شكواها مدت لها أمها يدها فقامت منهكة كبناء يوشك أن يتداعى، فقبلت أمها رأسها وجبينها، وهمست:
– مجبورة بإذن الله، فضعي في صندوق المقام صدقة لعل طلبك أن يجاب.
فأخرجت من حقيبتها كل ما تملك من النقود أدخلتها من فوهة الصندوق، ومضت تتأبط ذراع أمها وعلى وجهها ابتسامة فيها من الانكسار أضعاف ما فيها من الأمل.
ومضى شهر على الزيارة فإذا الدم ينقطع عنها ولا يأتيها في موعده المعتاد، فأحست أن طلبها قد أجيب، فانطلقت تخبر زوجها وأمه وأباه، فإذا بالفرحة ترتسم على وجوههم في أبهى صورها، ولم يمض على الانقطاع سوى يومين حتى بدأت علامات الحمل تظهر عليها، فالقيء يداهمها والدوار يفقدها توازنها فلا تقوى على النهوض.
وعلمت أمها بالخبر السعيد فانبرت تطلق الزغاريد، وتوزع الشربات على أهل الكفر الكبير منهم والصغير، ومضى شهر واثنان والسعادة تسكن القلوب والأرجاء.
بيد أن بطن الزوجة لم تكبر كعادة المرأة إذا حملت، بل ظلت على حالها كأنها فارغة لا شيء فيها، فعاد القلق يتمكن منها وينغص عليها عيشها، فقررت أن تزور طبيبًا مختصًّا في أمراض النساء، فاصطحبت زوجها يومًا إلى طبيب مشهور من أطباء المدينة، وما كشف عليها الطبيب بالسونار حتى امتقع وجهه وتغيرت نبرته، فعرفت ذلك في وجهه فنظرت إلى زوجها بعينين حائرتين فيهما من القلق أضعاف ما فيهما من الرجاء.
– للأسف أنتِ تحملين في قطعة لحم ميتة لا حياة بها ولا روح فيها.
نزل عليها الكلام كالصاعقة فإذا بالدموع تنساب من مآقيها، قالت وقد أُسقط في يدها:
كيف؟ ولماذا أنا؟ كل النساء يحملن فلماذا لا أحمل أنا؟ ألست امرأة كبقية النساء؟
مد لها زوجها يده:
– لا حول ولا قوة إلا بالله، تماسكي يا غاليتي، هكذا قضى الله، فكوني شاكرة محتسبة، فالله يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء ذكورًا ويجعل من يشاء عقيمًا، سبحانه! الملك ملكه والأمر أمره ولا راد لقضائه أو مُعَقِّبَ لحكمهِ، فاصبري إن الله مع الصابرين.
ابتسم الطبيب ومد له يده بالروشتة:
– أحسنت، هذا الدواء سيساعدها على إنزال ما في بطنها بإذن الله، فإذا كان ذلك سأصف لها منشطات ستساعد في تهيئة الرحم لحمل جديد.
فوقفت الزوجة متمتمة:
– قطعة لحم ميتة، لا روح بها ولا حياة، كيف؟ وصاحب المقام، الصدقة، الصندوق، أمي، سأمكث عند أمي حتى أتعافى!
نظر إليها: تحدثين نفسك، هل طاش عقلك؟ تماسكي لم أعهدك أبدًا بهذا الضعف.
فطفقت تهز رأسها في أسف بالغ.
ومكثت عند أمها أيامًا تعاني من مغص ووجع لا يطاق، حتى إذا نزل ما في بطنها أسرعت أمها فصبغته بالحناء ولفته في قطعة قماش بيضاء ووضعته فوق الدولاب ريثما تحمل ابنتها من جديد فتقوم بدفنه، هكذا كانت تقتضي العادات في الكفر.
– خذلنا صاحب المقام.
نظرت إليها أمها:
– حذاري، إن غضبه شديد، العيب فينا بالتأكيد، فلا تجلبي علينا المصائب، هي زيارة أخيرة وستجبرين.
هزت رأسها:
– لا، لن أكرر نفس الخطأ، سأصبر وأحتسب، فالحق ما قال زوجي، لا ما يعتقد الجهلاء في الكفر.
وضعت يدها على فمها:
ماذا تقولين؟ أجننتِ أم طاش عقلك؟ احذري أن تجلبي علينا المصائب، فأنتِ صغيرة متهورة ولا تعرفين شيئًا.
– ثم؟
نظرت إليها:
– لابد من زيارة أخيرة.
وإذا بزوجها خارج الباب فسمع الحديث الدائر في الداخل، أطرق الباب وقد استشاط غضبًا، فتحت له الأم الباب فدخل ملتاث الخطى ممتقع الوجه:
– لقد سمعت كل شيء.
رمقته الزوجة متسائلة:
– ماذا تقصد؟
– أنتِ طالق!
فتح الباب وخرج، وإذا بالزوجة قد سقطت مغشيًّا عليها، أما أمها فانهارت كضنو سفر، ولم تقوَ قدماها على الوقوف.

قد يعجبك ايضا
تعليقات