القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

من أين لك بهذه الحلقات يا زحل؟

151

كتبت نجده محمد رضا
مازال كوكب زحل أكثر الكواكب
تميزًا في نظامنا الشمسي وأيضاً مثار جدال بين العلماء بشأن عمره وأصله وزاوية بريقه
يبدو زحل من دون حلقاته كوكبًا مملًا حقًا فما إن تُمحى تلك الأساور البراقة من حوله كما فعل المُدوِّن “جيسون كوتكي” في إحدى صور وكالة “ناسا” سيصبح أحد أكثر الكواكب فتورًا في نظامنا الشمسي.
صحيح أن أقطابه بها دوامة سداسية الشكل وبعض الزوابع المذهلة لكن وجهه الأبيض الذي يشبه الفانيليا يفتقر إلى الإثارة التي تتميز بها أحزمة كوكب المشتري المشبعة بالألوان المتداخلة،
أو اللون الأزرق الذري في كوكب نبتون، أو غبار كوكب الزهرة الخانق بظلمته.
بل حتى لون الصدأ المريخي الأحمر يبدو أكثر إثارة للاهتمام من زحل.
خلال زمنٍ ما يعود إلى 4.5 مليار سنة مضت، ولحسن الحظ، أهدى الكون لهذا الكوكب المجاور للأرض ما يجعله مميزًا بحق؛ فقد وضع حوله نظامَ حلقات جليدية هائلة بألوان زاهية. لكن العلماء لا يتفقون بشأن الزمن الذي تشكّلت فيه حلقات زحل، أو كيف نشأت هذه الأساور البراقة حوله. وقد بقي الحال كذلك منذ عقود. وحتى اليوم، يبدو أن نشأة إحدى أبرز السمات المميزة للنظام الشمسي ما تزال لغزًا عصيًا على الحل.
تقول “مريم المعتمد”، عالمة الفيزياء الفلكية لدى “جامعة كورنيل” الأميركية “تَشكّل كوكب زحل في زمن معين أثناء تكوين النظام الشمسي ولا نعرف هل تشكّلت الحلقات في الوقت نفسه مع الكوكب أم أنها نشأت بعد ذلك بزمن طويل
وتستطرد بالقول: “السبب في كون هذه الحلقات مثيرة للاهتمام لا ينحصر في معرفة متى تشكلت بل في فهم النظام الذي يَحكم كوكب زحل؛ إذ لدينا كوكب ونظام حلقات ونظام قمري، ونعتقد أن هناك صلة بين الحلقات والأقمار”. هذا اللغز متفرد في تشويقه.
يمتلك العلماء معرفة جيدة بما يُسبب أروع مشاهد نظامنا الشمسي، من أمثال الصدع المحفور في وجه المريخ والذي يَظهر “الأخدود العظيم” (غراند كانيون) أمامه مثل القزم؛
أو تلك “البقعة الحمراء الكبيرة” والمتماوجة على سطح المشتري؛ وكذلك القطب الجنوبي الهائل للقمر. أما حلقات زحل..! يقول “جيف كوزي”، من “مركز أميس للأبحاث” لدى وكالة “ناسا”:
“حلقات زحل فريدة من نوعها. إنها الحلقات الكبيرة الهائلة الوحيدة، وهي شديدة السطوع؛ وذلك أمر غير معتاد.
لذلك ظل هذا لغزًا على الدوام”.
العلماء يفكرون في حل لهذا السؤال في معسكرين. يقترح المعسكر الأول أن حلقات زحل بدائية أصلية، أي أنها تشكّلت مع زحل منذ أكثر من أربعة مليارات سنة، وأن هذا الكوكب لم يكن قَطّ عالمًا مملًا وفاترًا.
أما المعسكر الثاني فيظن أن الحلقات أصغر عمرًا بكثير، أي أنها تشكلت خلال مئات الملايين من السنين الماضية فقط. ووفق هذه النظرية، تكون الحلقات حديثة السن جدًا إلى درجة أننا لو افترضنا وجود برنامج فضائي للديناصورات، فلربما شاهدت كوكب زحل بلا حلقات عبر تلسكوباتها (ولربما تجنبت انقراضها بفعل كويكب طائش).
“تنطوي النظريتان معًا على حجج قوية، لكنْ تشوبهما أيضًا نقاط ضعف”، كما تقول المعتمد. فعلى الرغم من أن قصتَي المنشأ هاتين تختلفان في مسألة المدة الزمنية بفارق مليارات السنين، إلا أنهما تشتركان في شيء واحد: العنف. فقد تطلبت نشأة الحلقات تدميرًا كارثيًا لجسم جليدي قد يكون مذَنبًا أو قمرًا. وبطريقة ما، كان هذا الجسم يحوم بالقرب من زحل، وقد تفتت بفعل جاذبية الكوكب إلى شظايا جليدية لا حصر لها. جزء صغير من هذه الشظايا يفوق في حجمه المنازل؛ أما بعضها الآخر فصغير للغاية. ومعظم هذه الحلقات المتشظية يتكون من جليد مائي نقي ولامع، لكن حلقة واحدة من هذه الحلقات تتميز بلون أغمق قليلًا. ومع مرور الزمن، اصطفت تلك الشظايا المحطمة في نظام الحلقات الذي نراه اليوم، والذي يمتد مسافة 270 ألف كيلومتر عرضًا تقريبًا ويبلغ سُمكه نحو 10 أمتار فقط.
يقول معسكر “الحلقات القديمة” إن الكارثة حدثت في الأيام الأولى لزحل. (من المرجح علميًا أن يدخل جسمٌ شارد بين فكي الجاذبية لكوكب خلال فترة شباب النظام الشمسي).
تقترح إحدى نسخ تلك القصة أن الكواكب العملاقة لم تولد حيث نراها اليوم؛ بل انتقلت إلى مواقعها الحالية وأثارت سلسلة من القلاقل بين الأجسام الأصغر حجمًا حتى انتهى بها المطاف متناثرةً في كل مكان مثل كرات ثلج سماوية. خلال الفوضى التي حدثت عند نشأة النظام الشمسي،
لم يكن من الصعب على جسم جليدي أن ينتهي به الأمر على شكل حلقات حول كوكب زحل. وتتنبأ نظرية الحلقات القديمة أيضًا بأن بعض أقمار زحل تشكلت من حلقات مهشمة انحرفت بعيدًا عن الكوكب بما يكفي لتُشكل كتلًا من تلقاء نفسها. وبالنتيجة، فإن بعض الأقمار التي تحوم اليوم بالقرب من هوامش الحلقات تتكون من مادة الحلقات نفسها. تقول المعتمد: “بصراحة، ومن دون أن ألتزم الحيادية أكثر من اللازم، أعتقد أن عمر الحلقات القديم أكثر منطقية لدي من عمرها الأحدث سنًا. هذه قناعتي حتى الآن، لكنني سأكون سعيدة إن أقنعني أحد بخلاف ذلك”. المشكلة هي أن الحلقات الجليدية تتلألأ بلون أبيض ساطع لا يمكن أن يكون عمره مليارات السنين، أو على الأقل هذه هي الحجة التي يركز عليها معسكر “الحلقات الأحدث سنًا”. وتعتمد هذه المشكلة، التي تُدعى حجة التلوث، على معدل اصطدام الغبار الداكن في النظام الشمسي الخارجي ودوره في خفت تألق الحلقات وسطوعها

وببساطة،فإن أربعة مليارات سنة تقريبًا من الأمطار الكونية الرهيبة كان يجب أن تكون كفيلة بجعل حلقات زحل تبدو داكنة وغير مثيرة للإعجاب مثل حلقات كوكب المشتري، إلّا أنْ تَكون هذه الحلقات ضخمة، أو حديثة النشأة.
في عام 2017، استخدم العلماء مركبة الفضاء “كاسيني” التابعة لوكالة “ناسا” لقياس كتلة حلقات زحل، ووجدوا أنه ما مِن مادة كافية لامتصاص غبار النظام الشمسي والحفاظ على شكلها في حالة ممتازة. وقد جمعت كاسيني أيضًا بيانات عن كمية الغبار التي انتهى بها المطاف في نظام زحل؛ ودعمت هذه النتيجة أيضًا فكرة أن الحلقات حديثة النشأة.
ومع ذلك، يبقى من غير المرجح بالمرة أن جسمًا هائلًا تناثر ليشكل حلقات بفعل دخوله في نطاق جاذبية زحل، باستثناء سيناريو حالة الفوضى التي سادت في النظام الشمسي المبكر.

قد يعجبك ايضا
تعليقات