أميرة الجابري
حقيقي الكتاب إنساني من الدرجة الأولى يستحق القراءة والاشادة والتقدير .
…. أنا و كتبي و كلبي …
أنا و كتبي و كلبي كتاب يحمل بين طياته عالم كبير بل عوالم متعددة جاذبة حينا وحينا مذهلة ومرات تدعو للغرابة وكثيرا تستدعي الوقوف عليها ، بين ثناياه تكتشف أن الحياة في حد ذاتها فيض من الحكايا المتعددة الرؤى و التي تحتاج إلى تأملات و فلسفات و أحيانا تحتاج إلى عفوية القصد و المقصد .
أنا وكتبي وكلبي يتكون من ١٢ فصلا بل ١٢ مصباحا يضيء طريقا قلما سار فيه البعض ، ١٢ بابا مفتوحا على عوالم متعددة و فضاءات تحتاج إلى الخطو فيها بخطوات جريئة شجاعة تعيد للقارىء احترامه للكلمة ولدور الكاتب في بناء أمة ، وتعيد له حماسه في البحث عما يدور داخله من صراعات بوعي يحمل نور البصر و البصيرة .
وإن بدأنا بالعنوان والعنوان عتبة أي نص ،قد يحملك لإجتذابه إليك أو النفور منه وعتبة النص الذي بين يدينا هو عنوان قد يراه البعض كاشف والبعض الآخر قد يرى فيه من الغموض ما يدعونا للتساؤل، كاشف للبعض لأن العنوان يبدأ بالضمير أنا وهذا قد يأول على أن الراوي بالنص هو نفسه الكاتب (الراوي العليم) وهذه تقنيه يلجأ لها الكاتب ليحرك الأحداث بمنهاجيته ورؤيته هو ومدى عمقه و تعمقه بالأمور وهذا النوع من التقنيات الروائية يحمل بعض الديكتاتورية من وجهه نظر البعض وليهرب الكاتب من هذه النظرة جعل معه بعض الأصوات وهذا ذكاء يحسب للكاتب ، فنجده أدخل معه ميكو (صديقه الوفي ) والذي سنتحدث عنه بالتفصيل وهناك أصوات بعض الأدباء الذي أقام معهم الكاتب حوارية رائعة بل أكثر من رائعة ، ثم نجد صوته القاطن داخل نفسه (المونولوج الداخلي) وهذا الصوت يظهر لنا كثير من الجوانب النفسية والديناميكية للكاتب. و قد يرى البعض العنوان غامضا لأن الكاتب ذكر كتبه وكلبه وهنا قد يتسأل البعض ما دور الكتب والكلب هنا ؟
يعد أنا وكتبي وكلبي من الواقعية السحرية التي تخلط الواقع بالخيال أو بعض الفانتازيا حيث نرى الكاتب يحاور ميكو (كلبه الوفي ) وهذا خيال يستوجب التنويه لأسباب استخدامه ، ثم نراه يحاور مجموعة من الأدباء و المفكرين الذين رحلوا عن عالمنا وتركوا لنا إرثا من أعمالهم الأدبية فينزلهم من فوق الرفوف ليجالسوه وحدته وأيامه فنراه يتحدث إلى توفيق الحكيم،نجيب محفوظ، سلامة موسى ، انطون تشيخوف، ديستوفيسكي ، تولستوي ، غوركي وغيرهم .
لنبدأ بالبحث عن الوفاء
ميكو والحكومة
الإحساس الضائع
وقبل السبر في أغوار النص فيتوجب علينا أن ننوه إلى تقنيه فنيه وجمالية مميزة استخدمها الكاتب وهى اقتباس بعض الجمل المنهجية بالحياة ببداية الفصل لأدباء أمتلكوا شغاف قلوبنا وعقولنا وأيضا إستخدم التعريف ببعض الشخصيات الأدبية والفكرية والثقافية الهامة التي شكلت فكر الكثر مثل شكسبير ، تولستوي، ألن بو وغيرهم كتذيل للصفحة بشكل جمالي يستفز العقل ويثير الإنتباه.
نعود لفصول الكتاب فقد استخدم الكاتب التناص الأدبي كسمة ميزت نصه الأدبي فنجد تشابه كبير بين بعض الأحداث الأدبية وبعض ما جاء به الكاتب هنا مثل …حمار الحكيم لتوفيق الحكيم… وهذا يظهر حين أشار ميكو على الراوي بالذهب الذي تملكه الحكومة (الزوجة) للتحسين من أوضاع الأسرة فتثور ثورة عارمة و أيضا هاملت لشكسبير و التناص مع أوديب أيضا .
من خلال الفصول الثلاثة الأولى يتضح أيقونة السرد والمعالجة عن طريق ميكو (الكلب الوفي الذي اتخذه الراوي صديقا) ويظهر معه كيف استعرض الكاتب للعديد من المشاكل والحلول أو الطرح الملائم و الطبيعي لها ومنها عدم الوفاء وخيانة العهد و وجود الوفاء النادر لدى حيوان كالكلب ، العمل و محاولات تحسين مستوى الدخل للأسر وكيف يمكن أن يستحوذ فرد على ما يبذله شخص من جهد و وقت ليكنز هو ، آيات معكوسة وظروف فرضها المرء على نفسه بسلبيته و ضعفه واستكانته ، أولاد الشوارع وكيف هم نتاج لمجتمع فاسد تشردت فيه الإنسانية واهدرت المروءة , ثم يتحدث الكاتب عن الزواج وكيف أنه أصبح مجرد صفقة أخل الطرفين ببنودها بعدم التفاهم وغياب المودة والرحمة فأخرجوا للمجتمع معاقين نفسيا واجتماعيا ، استعرض الكاتب للعلاقات الإنسانية ومن أهمها علاقة الرجل بالمرأة وما رأي المجتمع بموروثاته الدنيئة ونظراته الساقطة للعلاقات الإنسانية وتأويل كل كلمة إلى حكايا لم ولن تحدث فأصبح حتى الصمت له معنى .ثم يتحدث عن مشكلة كمشكلة اقتحام خصوصيات الناس كحكاية …ميتشو…
يتطرق الكاتب تباعا بباقي الفصول إلى قضايا هامة جدا كالتعليم وعلاقته ببناء شخصية سويه ، الصحة ، الدين و رجاله ، العدالة و دور كل ذلك في بناء المجتمع والنهوض به.
ثم يأتي بنا الكاتب الذي هو الراوي العليم نفسه ويقدم لنا في فنتازيا هادئة مثيرة للاهتمام حوارية بينه وبين الأدباء كسلامة موسى ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم،تولستوي ،ديستوفيسكي وغيرهم ويخرج جواهر ما كتبوا وما قدموا من فكر و. تجارب ليعلمنا أن الإنسان طالما عاش فلابد له و أن يبحث فهو في دأب مستمر ، يبحث عن حقيقته وحقيقة الوجود من حوله .
يؤكد الكاتب مع كل حرف على قيم ومثل وكنوز أخلاقية مغطاة بغبار الإهمال والانفتاح الحضاري و جماليات التطور المزيفة ، فنجده يؤكد على الرجوع إليها وإزالة هذا الغبار عنها وذلك من خلال براعته في إستخدام اسقاطات متعددة فخرج علينا النص بعجائبه السحرية ليلمس كل أوتار الحياة .
ومن أهم وأجل ما أكد عليه الكاتب هو القراءة والكتب وكيف لنا لا نعلم كنزها الدفين بل هى الحياة في ذاتها.
هناك عده نقاط لا يمكن أن أغفل عن ذكرها ؛ بداية اهتمامه بكون الكلب هو صديقه الوفي بعد هذه السنوات التي قابل فيها مؤكد العديد من البشر وهذا يؤكد على ما وصلنا له نحن بنو البشر من تدهور نفسي وأخلاقي فلا يوجد من بيننا من تأمنه الآن وتثق به وتستشعر وفاءه لك.
أيضا إهتمام الكاتب بقضية الزواج ظهر جليا في تعبيراته واسقاطاته وطرحه لعده أمور حياتية حديثة وأمور تحدث عنها الأدباء .
تركيز الكاتب على تنوير العقول بتنوير رؤيتهم للمرأة كما يجب وهذا مما أراه خالف الأدب الذكوري بل أخرج للقارىء نقاط تنويريه راقية وأكد على أن الرجل يجب أن يغير وجهته الفكرية العقيمة نحو المرأة ويراها كما يجب أن تكون الرؤية.
اهتمام الكاتب بكشف غطاء الدين أيا كان وكيف لرجاله دور في التنوير أو الانغماس في الجهل بغرض تلبية مصالح شخصية فأصبح الدين ستار للكثير من الأحداث.
ثم يوجه الكاتب أنظارنا بشكل جاذب من خلال ما يعرض من قصص له مع الأدباء وخاصة عرضه للنفس البشرية و عرضها كجان أو مجني عليه .
تجلت مهنة الكاتب الأصلية كمحام بين الأحداث من خلال التنقيب والكشف والمعالجة وعرض الحلول التي يمكن للقارئ أن يستنتجها .
إن من أجمل ما لفت نظري الذي قد لا يكون انتبه إليه الكاتب نفسه وهو أثناء المعالجة والسرد والحوارية الرائعة يؤكد على أن الأديان جميعها تخرج من مشكاة واحدة ، جميعهم يحملون الحب الأعظم والرحمة السامية ولا مزايدة على ذلك فالجميع أبناء الله والدين كما هو افيونة الشعوب هو وضميرها الحر ، الدين الذي يعترف بالجميع دون قداسة أحد أو تقديس عقيدته هو فرد في الإنسانية، الإنسانية التي يؤكد عليها أي دين ولا غيرها .
وأخيرا أحب أن استعير جملة ذكرها الكاتب لاختم بها ….ليس المهم أن تزيد حياتنا سنين بل المهم أن تزيد سنيننا حياة….
أحيي الكاتب جدا على هذا الجمال الجاذب الهادىء الموجه بحرفية فكل سطر يستحق تقدير خاص ، يستحق أن يكون منهاج حياة.